حالة من الرعب يعيشها نظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، بعد عامين من الهدوء ، ربما انتاب فيهما اليأس الكثير من الناس، إلا أن الثورة تأبى أن يستمتع أعداؤها بسجنها، فتزلزل قلوبهم الخاوية، وتدفع بهم إلى الخوف الذي يبدو في قراراتهم وحالة السعار التي يمارسونها ضد المواطنين العزل، سواء كان بالاعتقال أو أحكام الإعدام الجائرة، أو عمليات التصفية الجسدية والتعذيب داخل سجون الانقلاب. بعد ساعات من حادث القطار الذي أسفر عن قتلى وجرحى بالعشرات، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل أرعب نظام الانقلاب، لدرجة غير متوقعة، حتى أنه أصدر مجموعة من القرارات، كان من بينها حظر تداول العملات المكتوب عليها اية عبارات، خوفا من استغلال الشباب للعملات الورقية في تدوين ثورتهم والدفع إليها، كما اشتعلت “حرب وسوم” على مواقع التواصل الاجتماعي بين معارضي الانقلاب، إثر حملة ثورية دعت المصريين إلى إطلاق الصفارات في الشوارع والتغريد على مواقع التواصل. أمل جديد وبعد عامين تقريبا يخرج أحد الشباب المصري لميدان التحرير غير خائف، ليعطي الأمل من جديد لشباب الثورة، بأن الميدان قريب، فيقوم برفع لافتة تدعو عبد الفتاح السيسي إلى الرحيل، ليجد كتائب الأمن المركزي تقوم باعتقاله لنشر الخوف بين الشباب، إلا أن حاجز الخوف انكسر لدى الكثيرين الذين خرجوا في تظاهرات ليلية على مدار اليومين الماضيين، الأمر الذي أصاب نظام الانقلاب برعب كبير، وقام على إثره بحملة اعتقالات عشوائية. يأتي هذا في ظل تشديدات أمنية تشهدها مصر حاليا ضد أي تحركات شعبية، وأسفرت عن اعتقال سياسيين بارزين، على خلفية تعديلات دستورية مقترحة تسمح بتمديد فترة رئاسة السيسي حتى عام 2034 وتمنحه المزيد من الصلاحيات، كما تضع الجيش فوق الدولة بصفته حاميا للدستور ومدنية الدولة، ليرد السيسي باعتقال عدد من الرموز السياسية من بينهم محمد محيي نائب رئيس حزب غد الثورة. كما اجتاح غضب عارم منصات التواصل الاجتماعي واستولى على تفاعلات كثيفة من النشطاء على فيسبوك وتويتر في مصر وخارجها، بعد سقوط نحو ثلاثين قتيلا وأكثر من خمسين مصابا في حريق بمحطة قطارات رمسيس وتصدر هاشتاج محطة مصر قائمة التداول المصرية في “تويتر”، كما احتل المرتبة الرابعة في الترند العالمي، وعبْره تناقل مغردون صور الحادث الذي رصدته كاميرات المراقبة في محطة رمسيس . كما طالب ناشطون بمحاسبة المسؤولين عن الحادث الذي هز مصر. وبدأ الهجوم على السيسي رأسا من خلال تداول تصريحاته التي قال فيها إنه يفضل وضع الأموال الخاصة بتطوير سكك الحديد في البنك، لتحصيل فوائد بقيمة مليار جنيه. راجعين التحرير وظهر الغضب مجددا بين الشباب المصري، ودفع الغضب ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي إلى تدشين وسم “راجعين التحرير” في إشارة إلى أن الثورة هي الحل الوحيد للقضاء على الفساد المستشري في جسد الدولة المصرية، وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الوسم ليتصدر بعد ساعات قليلة المركز الأول على موقع تويتر. التفاعل الكبير مع الوسم والغضب الظاهر في تغريدات الناشطين، دفعت البعض لإشاعة أن هناك تجمعات ليلية في ميدان التحرير الذي أصبح رمزا لثورة يناير 2011، وهو ما دفع وسائل الإعلام الموالية للسيسي إلى إيفاد مراسلين إلى الميدان، والبث المباشر من هناك لتأكيد أن الميدان لا يشهد احتجاجات. وبالتوازي مع وسم “راجعين التحرير” كان المصريون مع موعد بدء حملة “اطمن انت مش لوحدك” التي أطلقها الإعلامي المعارض بالخارج معتز مطر، قبل أيام بهدف “طمأنة كل مناصر للثورة أنه ليس وحيدا”. ودعت حملة مطر المصريين إلى إطلاق صفارات أو الطرق على الأواني خلال نصف ساعة مساء الأربعاء الماضى، وهو ما شهد تفاعلا في بعض المناطق، ونشر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات أثناء إطلاق الصفارات، في حين غرد آخرون عبر وسم الحملة الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبره ناشطون وسياسيون نجاحا للحملة وتأكيدا على أن روح الثورة ما زالت تسري في نفوس المصريين. ليأتي نظام الانقلاب مرعوبا، ويدفع بكتائبه الإلكترونية للرد على الحملة بحملة مضادة، تحت اسم “خاف انت طلعت لوحدك” شارك فيها أنصار السيسي والصحف والقنوات الموالية للنظام. ومع رعب النظام تطوّر الأمر وانتشر بشكل كبير حتى إن العديد من مؤيدي الحملة كتبوا شعارها على العملات الورقية، الأمر الذي يبدو أنه سبّب ازعاجا للنظام، إلى حد أن يخرج البنك المركزي بتعميم يمنع تداول العملات الورقية المكتوب عليها الشعار. الغضب يتصاعد وظهرت مؤشرات عديدة لغضب يتصاعد خلال الآونة الأخيرة بين كافة طوائف الشعب المصري حتى فصيل القضاة. وبرز خلال الفترة الأخيرة احتقان داخل السلطة القضائية ، وكشف قضاة ومتابعون ، في تقارير متواترة عن تصاعد حدة الاحتقان داخل صفوف القضاة خاصة قطاع الشباب منهم، نتيجة الظروف الاقتصادية والغلاء وعدم المساواة أو نتيجة استخدامهم كأداة في تصفية الحسابات السياسية لنظام الانقلاب العسكري، بقيادة عبد الفتاح السيسي، مع مختلف فئات المعارضة. وفي الشارع المصري اتجهت قطاعات بارزة إلى أشكال مختلفة من العصيان المدني ، منها منذ مطلع العام الجاري : إقامة تجار سور الأزبكية الشهير للكتب بمصر معرض كتاب مواز في مواجهة معرض القاهرة الدولي للكتاب في خطوة صنفت كعصيان مدني احتجاجا على غلاء أسعار أجنحة العرض بالمعرض الحكومي. كما ينظم أصحاب المحال والورش في محافظة دمياط قلعة صناعة الأثاث والحلويات ومراكب الصيد في مصر إضرابا متواصلا منذ نهايات شهر فبراير الماضي، ضد ضرائب مجحفة قادتها مصلحة الضرائب بالقاهرة، تضامن معه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بوسم " #دمياط_خربت". الحملة لم تقتصر على مدينة دمياط، بل امتدت إلى مراكز الزرقا وفارسكور في المحافظة ، وانتقلت إلى المنصورة في محافظة الدقهلية وسط أنباء عن حملات أخرى على مدن ومراكز محافظتي كفر الشيخ والغربية، لا سيما المحلة قلعة صناعة النسيج؛ الأمر الذي أثار قلقًا وجدلاً واسعًا بين التجار فيهما وطرح احتمالية إعلان إضراب شامل وعصيان مدني؛ احتجاجًا على سياسة فرض الجباية على ما تبقى من مصادر دخل المواطنين. كسر حظر التظاهر كما قاد الشاب أحمد يحيي عبد العاطي مبادرة كسر حظ التظاهر، ووقف منفردا في ميدان التحرير يعلن رفضه للاستبداد، ويرفع لافتة "ارحل" للسيسي، لتشهد مصر الجمعة مظاهرات غاضبة بقيادة شباب في القليوبية ودمنهور والفيوم والإسكندرية ضد السيسي فيما أحاطت قوات الأمن بأول مظاهرة أمام مسجد الفتح الشهير بميدان رمسيس في قلب القاهرة في أقوى كسر لحظر التظاهر منذ 3 سنوات . ووثقت منظمة العفو الدولية (أمنستي) قمع حرية التعبير في مصر إلى أسوأ مستوياتها على الإطلاق خلال فترة عبد الفتاح السيسي" فيما وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤشرات عديدة تدين السلطات الحالية في "تكثيف القمع تحت غطاء مكافحة الإرهاب" بحيث بات النشطاء والصحفيون والمدونون دائما أمام محاكم الطوارئ!. يعزز المؤشرات اللافتة في الفترة الأخيرة توقعات وتحليلات رصينة تذهب إلى أن الثورة قدر محتوم ينتظره النظام الانقلابي في مصر وأن موجة ثانية من الربيع العربي قادمة لا محالة لتصحح ما جرى خلال السنوات العجاف الماضية وفق وصف البعض. الانفجار قادم وبحسب دراسة حديثة بعنوان "ملوك لجميع الفصول: كيف اجتازت الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط عاصفة الربيع العربي"، فإن مصر من أبرز الجمهوريات المرشحة للانفجار، وتبرر ذلك بأنها تشهد احتقانا اجتماعيا غير مسبوق يهدد بالانفجار في أي لحظة، رغم المساعدات والأموال الضخمة التي منحها حكام الخليج للعسكر في مصر للتدخل ضد نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2012 . كما توقعت دراسة حديثة لمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط أن تكون مصر في مقدمة ثورات جديدة تدفع لها الثورات المضادة في المنطقة العربية وأرجعت ذلك إلى عدة أسباب وهي: الأجواء القمعية المفرطة التي تمارسها نظم الثورات المضادة، وفشل هذه الأنظمة في تحقيق أي من المطالب والأهداف التي نادت بها الشعوب، والاعتماد على الكيان الصهيوني لحماية الأنظمة. وكشف موقع معهد واشنطن للدراسات في الشرق الأدنى المقرب من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض عن نتائج استطلاع موثق حول مصر ، أكد أنه لا يزال ثلث المصريين يميلون إلى جماعة الإخوان المسلمين بالتزامن مع رفض أغلبية المصريين للسياسيات الاقتصادية والاجتماعية الحالية وتصاعد الاستياء ضد عبد الفتاح السيسي رأس النظام الحالي ومدبر الانقلاب العسكري في العام 2013 .