(القصة الأولى) التضخم.. "الأسعار نار" كان شعارنا فى ثورة يناير 2011 هو "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، وظل هذا الشعار رمزا لكثير من المليونيات التى تمت بعد ثورة يناير، وما زال هذا الشعار يدوى فى آذان العديد من المصريين الذين يحلمون بالحرية والعدالة الاجتماعية حتى الآن. وبعد تنحى مبارك وتسليمه السلطة للمجلس العسكرى تولى عدد من الخبراء مناصب وزارية بوزارة عصام شرف، مثل الخبير الاقتصادى العالمى د.حازم الببلاوى - أو كما يطلق عليه أستاذ العلوم السياسية د.سيف الدين عبد الفتاح د.بلاوي - وظل الشعار كما هو يحرك الساكن ويواجه العسكر، ثم تولى الرئيس المختطف محمد مرسى رئاسة الجمهورية وتشكلت حكومة برئاسة قنديل الأقل خبرة هو ووزراؤه بالطبع من حكومة عصام شرف والببلاوي. وظل شعارنا معنا طيلة حكم الرئيس المختطف، وقام العديد من الرافضين لحكم الرئيس مرسى بعدد من الفعاليات خلال فترة سنة من حكمه، منها 5821 مظاهرة بمعدل 485 مظاهرة فى الشهر، و24 دعوة لمليونية بمعدل مليونيتين كل شهر، و7709 وقفة احتجاجية بمعدل 642 وقفة فى الشهر، وأكثر من 50 حملة تشويه ضد الرئيس، وذلك حسبما جاء بتقرير الإنجازات والتحديات الصادر عن الرئاسة المصرية. انحسار شعبية تؤدى لتدهور اقتصادى!! وعلى الرغم من انحسار شعبية الإخوان فى الشارع كما يروج الانقلابيون والادعاء بأن مظاهراتهم أصبحت بالعشرات أو بالمئات على أقصى تقدير، فقد أصبحت الفرصة سانحة للسيد الدكتور الببلاوى لينفذ سياسته هو ووزراؤه لتقدم لمصر ما لم تستطع أن تقدمه حكومة هشام قنديل، نظرا لهذا الهدوء الذى يعم مصر والشوارع الخالية، وهو ما لم يتوفر لحكومة قنديل. ليتحول شعارنا فى عصر د.ببلاوى من "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" إلى "عيش.. طعمية.. فول.. بالتقلية".. نعم، تحول الشعار ليس من باب الترف الفكرى، ولكن مما أصاب المصريين خلال تلك الحقبة السوداء التى يمر بها الوطن، فقد أصبح أقصى أمنيات المواطن بمصر أن يحصل على العيش الذى سيأكل به الفول والطعمية... (طبعا ده إذا كان سعيد الحظ ومعاه فلوس واشترى فول وطعمية أصلاً!!!). وأى مصرى ذي عينين مبصرتين يستطيع أن يرى بكل وضوح مدى الوضع الاقتصادى المتدهور الذى وصل إليه الاقتصاد المصرى على الرغم من الهدوء الذى يخيم على الشارع السياسى، فلا توجد مظاهرات بالشوارع على حد ادعاء الانقلابيين، كما أن أكبر فصيل معارض للانقلاب العسكرى وهم الإخوان المسلمون إما شهداء أو معتقلون أو مطاردون. ونتيجة لذلك حول بعض المصريين شعارهم ل"عيش.. طعمية.. فول بالتقلية" مستغنين عن الحرية والعدالة الاجتماعية، بل رفع بعضهم البيادة العسكرية فوق رأسه. 10,3% النسبة الأكبر للتضخم وارتفاع الأسعار هذا التحول فى شعارات بعض الفئات بالمجتمع يرجع إلى أسباب عدة، منها السياسى ومنها بالطبع الاقتصادى، ومن أكثر الأسباب الاقتصادية المؤثرة على حياة المواطن المصرى (الغلبان) هى ارتفاع أسعار كل السلع والمنتجات بمصر بنسب غير متوقعة إطلاقا، وهذا ما يسمى اقتصاديا معدل التضخم والذى ارتفع فى شهر يوليو بنسبة 10,3% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضى حسبما جاء بتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، ولم يرتفع التضخم بتلك النسبة طيلة العام الماضى فى عهد الرئيس المختطف محمد مرسى. ويعود هذا الارتفاع إلى قفزات فى أسعار بعض السلع بشكل مبالغ فيه جدا، مثال على ذلك ارتفاع معظم أسعار السلع الغذائية خاصة الخضار والفاكهة، فمثلا ارتفع سعر البطاطس بنسبة 100%، والبيض بنسبة 40% تقريبا، وأسعار دقيق القمح 28%. كما ارتفعت فاتورة الكهرباء والغاز ومواد الوقود بنسبة 44%، والكثير والكثير من القفزات السعرية وذلك حسبما جاء بتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات وذلك على أيدى الخبراء العالميين امثال الدكتور الببلاوى!!. أسباب التضخم: يعود هذا التضخم الحادث فى الأسعار إلى : 1- ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو ما تساعد فيه حكومة الببلاوى بشكل كبير، ومثال على ذلك رفع أسعار الطاقة على المنتجين، والذى بمجرد أن تم الإعلان عنه ارتفعت أسعار المنتجات التى تعتمد على الطاقة مثل الأسمنت وغيره من المنتجات. 2- ارتفاع حجم الطلب مع ثبات العرض من السلع والخدمات، وهذا ما حدث تقريبا خلال الشهرين الماضيين، حيث ازداد طلب المصريين على السلع والخدمات (فى ظل حالة الفزع من التطورات السياسية وحملة ما يسمى "الحرب على الإرهاب") وفى ظل انهيار اقتصادى لا يؤدى لزيادة فى الإنتاجية (انخفاض ساعات العمل فى المصانع بسبب الحظر إلى وردية واحدة وتوقف كل الأنشطة فى قطاع السياحة) مما يوجد فجوة بين المطلوب من السلع والخدمات والمعروض منها، وبالتالى ترتفع الأسعار. 3- الارتفاع فى سعر الفائدة، والذى يعد من أحد أهم أسباب التضخم بسبب انعكاسه على تكلفة الإنتاج، وذلك على حد قول العديد من الخبراء، ومنهم جوهان فيليب بتمان فى كتابه كارثة الفوائد. 4- ما أدى اليه فرض حظر التجول من انخفاض حركة النقل، وبالتالى صعوبة توفير السلع فى الأسواق وارتفاع ثمنها. من يتأثر؟ والسؤال المهم الآن: هل تأثر جميع المصريين بهذا الارتفاع الحادث فى الأسعار؟ الحقيقة أن الجميع خلال شهرى الانقلاب تأثر بتلك الارتفاعات الكبيرة فى الأسعار، ولكن الحقيقة الاقتصادية تقول إن المجتمع ينقسم لفئتين: الفئة الأولى: وهى لا تستطيع أن تعدل مستوى دخولها ليتناسب مع ارتفاع الأسعار حيث يظل دخلها ثابتا مثل الموظفين، وأصحاب المعاشات وغيرهم. فتظل الأسعار ترتفع ومستوى دخول تلك الفئة يظل على ثباته، مما يعرضها لتأثر كبير. وحاول الرئيس مرسى أن يقلل من تأثير التضخم على تلك الفئة خلال فترة حكمه، حيث تم رفع ميزانية الأجور للعاملين بالدولة بنسبة 21%، وذلك من 123 مليار جنيه فى 2011-2012 إلى 148 مليار جنيه فى 2012-2013 واستفاد من تلك الزيادة 6.4 مليون موظف، وذلك حسبما جاء بتقرير "الرئاسة المصرية خطوات وتحديات". كما تم رفع قيمة الضمان الاجتماعى من 215 إلى 300 جنيه كمرحلة أولى بميزانية 4 مليار و 800 مليون جنيه لصالح مليون و500 ألف أسرة. أما الفئة الثانية من المجتمع: فهم أصحاب الدخول المتغيرة، مثل التجار وأصحاب المهن الحرة، مثل الأطباء والمحامين وغيرهم، والذين يستطيعون بسهولة تعديل مستوى دخولهم مع الارتفاع الحادث فى الأسعار. ولكن تلك الفئة تأثرت أيضا خلال الشهرين الماضيين حيث انتشرت حالة من الركود الاقتصادى السائدة فى البلاد بسبب السياسات المهترئة من الانقلابيين مما أثر عليها هى الأخرى. الحلول.. هل إلى خروج من سبيل؟! يمكن مواجهة مشكلة التضخم فى مصر جزئيا عن طريق السياستين المالية والنقدية والتى ينتهجهما كل من وزارة المالية والبنك المركزى من خلال مجموعة من الإجراءات، مثل: زيادة الضرائب على السلع الكمالية التى يتداولها القلة من السكان من أصحاب الدخول المرتفعة، وهو ما حاوله الرئيس المختطف مرسى من فرض ضريبة على بعض السلع مثل الجمبرى والكافيار والسجائر، كما تم رفع الدعم عن بنزين 95 (بتاع الاغنيا) ورفض د.مرسى فرض ضرائب على السلع الأساسية (بتاعت الفقرا). كما أقر مجلس الشورى المصرى المنحل بقرار من الانقلابيين قانونا للضرائب يرفع حد الإعفاء الضريبى للشخص من 5 آلاف إلى 12 ألف جنيه، فى حين تم رفعها على أصحاب الدخول المرتفعة الذين تتعدى دخولهم السنوية 250 ألف جنيه وذلك لتصل إلى 25% بدلا من 20%. (وكان هذا أحد الإجراءات فى طريق تحقيق العدالة الاجتماعية التى تشدق بها بعض الانقلابيين، وعندما استلموا السلطة خرست ألسنتهم، ولم ولن يستطيعوا فعل شيء؛ لأنهم ببساطة "بياعين كلام". مثال على ذلك كمال أبو عيطة - وزير القوى العاملة والمناضل الاشتراكى- (بتاع الحد الأدنى 1500 جنيه، رد عليه الببلاوى وقال له: انسى يا كمال مفيش حاجه اسمها حد أدنى ولا أقصى، وفضل عمنا كمال قاعد على الكرسى ومردش على الببلاوى بكلمة). وهناك العديد من الإجراءات الكثيرة التى يمكن اتخاذها على المدى القريب والبعيد، ولازلنا ننتظر، فلازال أمام الحكومة الانقلابية الكثير لتقدمه لمصر خلال الفترة القادمة، أو كما قال زعيم الانقلابيين: "وبكرة تشوفوا مصر"!!. وبذلك نكون قد تطرقنا لأحد المؤشرات الاقتصادية الهامة فى مصر، وهو التضخم، وسنتناول خلال الأيام القادمة عددا كبيرا من المؤشرات الاقتصادية فى مصر فى عهد الانقلابيين. وللحديث بقية مادام فى الفول والطعمية ملجأ للمصريين.