عبثا يحاول أهالي ضحايا الاختفاء القسري في مصر معرفة مصير ذويهم، وإقرار قوانين تحدّ من ممارسة الجرائم التي تنافي حقوق الإنسان، ويعرّف الاختفاء القسري في القانون الدولي لحقوق الإنسان بأنه اختطاف شخص ما، أو سجنه سراً على يد دولة، أو منظمة سياسية، أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم أو إقرار من دولة أو منظمة سياسية، مع رفض الجهة المختطفة الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده؛ وذلك بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون. وتتزايد مؤخراً الاعتقالات السريّة في مصر، وعمليات الاختطاف والاختفاء القسري، إذ أصبح الاختفاء أحد الأسس التي تقوم عليها حكومات الانقلاب ، وأكد خبراء وحقوقيون تهرب سلطات الانقلاب من تقديم إجابات على بيان الخارجية الألمانية حول اختفاء شابين ألمانيين من أصول مصرية، منذ قرابة الشهر، يشير إلى تورط عصابة العسكر في عملية اختفاء قسري جديدة بحق مواطنين غير مصريين. من جانبه قال مركز الشهاب لحقوق الإنسان، إن عدد المختفين قسريا في مصر وصل خلال خمس سنوات إلى 6421 حالة، ما يؤكد أن هذا نهج متصاعد في هذه الظاهرة، وأنه استمرار للضرب بعرض الحائط للقوانين المحلية، فضلا عن الاتفاقات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بمصر من قبل سلطات الانقلاب، وأن هذه السلطات قد اتخذت من هذا الخطف والاختفاء القسري وسيلة للقمع والتخلص من أي معارض لها. أين هم؟ “ليسوا موتى ولا أحياء”، المختفون قسرياً في مختلف الدول بالشرق والغرب، لا يُسمع صوتهم أو ترى صورتهم، ولا يعرف مصيرهم، وفي كل عام يتذكر العالم هؤلاء الذين انتهكت حقوقهم، مطالبين بمعرفة ماذا حصل لأبنائهم وأقاربهم وذويهم. ومن جهة الانقلاب، يزعم محسن عوض، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذي تديره عصابة العسكر إن الاختفاء القسرى هى مجرد ادعاءات يتم الترويج لها في الخارج واستغلالها ضد مصر، وهذه العملية تتم من خلال جماعات ودول معادية للدولة المصرية، على حد قوله. وكانت الخارجية الألمانية قد أكدت، في بيان رسمي، أنها فتحت تحقيقا عاجلا في بلاغات قدمتها أسرتا الشابين الألمانيين، عيسى الصباغ ومحمود عبد العزيز، واتهما فيها سلطات الانقلاب باحتجازهما دون إبداء أي أسباب، ووفقا لتقارير صحفية ألمانية، فإن سلطات الانقلاب احتجزت الشاب عيسى الصباغ (18 عاماً) بمطار الأقصر منذ يوم 17 من ديسمبر الماضي، حيث كان في طريقه لزيارة جده المقيم بالقاهرة. ووفقا لتأكيدات والده محمد الصباغ، فإن الاتصال مع نجله توقف بعد وصوله لمطار الأقصر وهو متجه للقاهرة، وعم الشاب المختفي يعمل محاميا بالقاهرة، وقد حصل على معلومات من النيابة تفيد بأن سبب احتجاز عيسى يرجع لتشابه في الأسماء، ولكنه ما زال مختفيا منذ ذلك التاريخ، دون تقديم أي إفادات رسمية عن مكان أو سبب احتجازه، مؤكدا أن نجله عاش بمصر في الفترة بين 2008 و2017، ولم يكن له أي اهتمام بالسياسة. وبعد عشرة أيام من اختفاء الصباغ، أوقفت سلطات الانقلاب في مطار القاهرة الأخوين محمود ومالك عبد العزيز (23 عاماً) أثناء قدومهما من المدينةالمنورة، حيث يدرس محمود الشريعة الإسلامية منذ عام ونصف، ونقل الإعلام الألماني عن مالك بأن سلطات الانقلاب أطلقت سراحه بعد يوم من احتجازه مع شقيقه في 27 ديسمبر الماضي، بينما ظل شقيقه محمود (23 عاما) محتجزا دون إبداء أي أسباب، موضحا أنه حصل على معلومات بأن شقيقه محتجز بمقر المخابرات الحربية بمدينة نصر، نافيا ارتباط شقيقه بأي نشاط سياسي أو ديني. دماء ريجيني من جانبه، يؤكد الحقوقي والقانوني أسامة عاصي أن اختفاء الشابين الألمانيين، وفقا لبيان الخارجية الألمانية، تم منذ قرابة الشهر، ولم يفصل بينهما سوى عشرة أيام، كما أن اختفاءهما موثق بوثائق دخولهما الأراضي المصرية، وبالتالي فإن وجودهما في حوزة سلطات الانقلاب ليس محل شك. ويشير عاصي إلى أن صمت سلطات الانقلاب وعدم تقديم أي إفادات حول مصير الشابين، يثير العديد من الشكوك، ويعيد للأذهان قضية الباحث الإيطالي ريجيني، الذي أنكرت سلطات الانقلاب في البداية علمها بوجوده، ثم نفت صلتها بمقتله، وأخيرا تبين تورطها في تعذيبه ثم قتله. ويضيف الحقوقي والقانوني أن سمعة ملف حقوق الإنسان في مصر سيئ للغاية، ما يجعل اختفاء أي مواطن أجنبي داخل الأراضي المصرية محل شك بأن يكون مصيره مثل ريجيني، وهو ما يدعم خطورة ملف الاختفاء القسري، الذي لم يعد قاصرا على المواطنين المصريين، وإنما امتد كذلك للأجانب. جاء اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي ليفتح الباب مجددا للحديث عن جرائم الاختفاء القسري التي ترتكبها الأنظمة الديكتاتورية، سواء في مصر على أيدي جنرالات الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي، ومرورا بالسعودية عبر سلطات محمد بن سلمان، وأيضا في الإمارات داخل سجونها التي أطلق عليها البعض “أبو غريب الخليج”.