ثمة تحولات مفصلية بدأت هذا الأسبوع في إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، في مقر القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية في مطلع أكتوبر الماضي، تعتمد هذه التحولات على توجيه القواذف التركية نحو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد أن يئست تركيا من الإصرار السعودي على إفلات ولي العهد من هذه الجريمة الوحشية التي هزت أرجاء العالم، وشوهت صورة بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين بشكل مهين ومؤلم لكل المسلمين في العالم. يدلل على هذا التوجه، المقال الذي كتبه الرئيس التركي نفسه في صحيفة «The Washington Post» الأمريكية، يوم الجمعة الماضي 02 نوفمبر الجاري بعنوان «Recep Tayyip Erdogan: Saudi Arabia still has many questions to answer about Jamal Khashoggi's killing»، وفيه يؤكد الرئيس التركي أن «قتل خاشقجي تم بأوامر عليا في الحكومة السعودية، لكنه يستدرك بأن الملك سلمان لا علاقة له بالموضوع»، في اتهام واضح لولي العهد محمد بن سلمان دون الإفصاح مباشرة عن ذلك؛ حرصًا على علاقة بلاده بالرياض. وفي مقاله يؤكد أردوغان الحقائق التي تم الكشف عنها بفضل جهود أجهزة الأمن التركية، ومنها تأكيد أن خاشقجي قتل بدم بارد مع سبق الإصرار والترصد، عبر فرقة اغتيال تم إرسالها خصيصًا بأوامر سعودية عليا لتنفيذ الجريمة الوحشية، مؤكدا حرص بلاده على العلاقات مع الرياض، وأن الصداقة بين البلدين تمتد إلى زمن طويل. ويحذر الرئيس التركي من الفشل في معاقبة الجناة، باعتبار ذلك يمثل سابقة خطيرة. معبرًا عن صدمته وحزنه من موقف بعض المسئولين السعوديين وتسترهم على جريمة قتل خاشقجي المدبرة، بدلا من خدمة مسار العدالة، مستشهدا بعدم اتخاذ الرياض أي موقف حتى اليوم بحق القنصل العام الذي كذب بشكل واضح على الإعلام، وهرب من تركيا بعد ذلك بفترة قصيرة، بالإضافة إلى أن المدعي العام السعودي الذي زار نظيره التركي في إسطنبول رفض التعاون في التحقيق، وحتى الجواب عن سؤال بسيط بشكل يثير الإحباط، كما أن دعوته للمحققين الأتراك إلى زيارة السعودية لمحادثات إضافية بشأن القضية ليست إلا محاولة يائسة وأساليب عرقلة. الدليل الثاني على هذه التحولات الكبرى في التعامل التركي مع القضية، ما كشفه مصدر تركي لقناة الجزيرة، الجمعة الماضية 02 نوفمبر الجاري، من أن أنقرة لديها أدلة على أن فريق اغتيال خاشقجي قام بعمليات مشابهة من قبل. مضيفا أن التحقيق التركي يهدف إلى الوصول إلى المسئول السعودي الذي أعطى الأوامر بالاغتيال، مشددا على أن بلاده لن تتنازل عن مطالبها بإعادة المتهمين ال18 في قتل خاشقجي ومحاكمتهم في تركيا». محذرًا من عواقب عدم التعاون السعودي، مهددًا بأن بلاده ربما تلجأ إلى تدويل القضية لإجبار النظام السعودي على تسليم المتهمين. سر المكالمات السبع وكان موقع Middle East Eye البريطاني، نقل عن مصدر سعودي قال إنه على معرفةٍ وثيقةٍ بأجهزة الاستخبارات في بلاده تصريحات بشأن فرقة اغتيالات تعمل تحت توجيه وإشراف محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية. و”فرقة النمر” حسب تقرير الموقع هي فرقةٌ معروفةٌ جيداً لدى أجهزة استخبارات الولاياتالمتحدة. تَشَكَّلت الفرقة قبل أكثر من عامٍ مضى، وتتألف من 50 عنصرًا من أمهر العملاء الاستخباراتيين والعسكريين في المملكة. اختير أعضاء الفرقة من مختلف أفرع الأجهزة الأمنية السعودية، ليشملوا العديد من مجالات الخبرة. ويمتاز أعضاؤها بولاءٍ لا يتزعزع لولي عهد الرياض الشاب محمد بن سلمان. وتنص مهمة فرقة النمر على اغتيال المعارضين السعوديين خفيةً، داخل المملكة وعلى الأراضي الأجنبية، بطريقةٍ لا تلاحظها وسائل الإعلام أو المجتمع الدولي أو السياسيون. وتفسر مصادر مطلعة، بحسب ميدل إيست آي، ذلك بأن القيادة السعودية تعتقد أن اعتقال المعارضين يزيد من الضغوطات عليهم، لذا بدءوا في اغتيالهم بهدوء!. ويعتبر سعود القحطاني مستشار محمد بن سلمان الإعلامي، واللواء أحمد عسيري نائب رئيس جهاز المخابرات، جزءا من قيادة هذه الفرقة، كما اختار ولي العهد 5 من أكثر العناصر الموثوقة ولاءً له ضمن الفريق الأمني الخاص به ليخدموا في فرقة النمر، وجميعهم كانوا ضمن الرجال الخمسة عشر الذين أُرسلوا لقتل خاشقجي، ومنهم ماهر عبد العزيز مطرب ومحمد الزهراني وذعار الحربي. ويعتبر اللواء ماهر عبد العزيز مطرب أحد أقرب المقربين من ابن سلمان، العمود الفقري لفرقة ابن سلمان للاغتيالات والجرائم القذرة، وبحسب Middle East Eye فإنَّ تركيا اعترضت 14 مكالمةً هاتفيةً لمطرب في 2 أكتوبر، يوم مصرع خاشقجي. 7 من تلك المكالمات كانت لمكتب ولي العهد. ويؤكد المصدر لميدل إيست آي أن تلك المكالمات «ستفجر مفاجأة» في حال الكشف عنها. وكانت صحيفة “يني شفق” التركية قد ذكرت، في تقرير لها في 22 أكتوبر الماضي، اعتراض تركيا لمكالمات مطرب مع مكتب ابن سلمان، حيث تحدث مع بدر العساكر، مدير المكتب الخاص لولي العهد في أعقاب مقتل خاشقجي. وقالت مصادر لشبكة CNN في 19 أكتوبر الماضي، إنَّ جهاز الاستخبارات الوطنية التركية فور اتصال خطيبته يوم الجريمة، صدر له أوامر بسرعة الكشف عن ملابسات الحادث فقرَّر مراجعة تسجيل صوتي مرئي من داخل القنصلية، وهو تسجيل لم تُقِر تركيا به علنا. يُقدِّم التسجيل دليلا على ما حدث داخل القنصلية بعد ظهيرة ذلك اليوم: اعتداء ومقاومة أدَّيا في النهاية إلى موت خاشقجي. وبمجرد أن انتهى تحليل التسجيل، جرى تنبيه الشرطة في المطار لتفتيش طائرة سعودية خاصة بمطار أتاتورك بإسطنبول. كانت تلك الطائرة، وهي طائرة مستأجرة من طراز Gulfstream، إحدى طائرتين قدمتا إلى إسطنبول في وقتٍ سابق من يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول، تحملان السعوديين الذين يُزعَم تورطهم في العملية. وكانت الطائرة الأولى قد أقلعت قبل وصول المحققين.