يذكر المصريون في 25 يناير 2011، حينما فتح الجيش السجون وأطلق آلاف المجرمين في شوارع القاهرة، عقب انكسار الداخلية وانسحاب الشرطة من أمام الثوار، إنها واحدة من الملاحم الوطنية التاريخية التي لا تُنسى، دلت على وحدة المصريين وتكاتفهم في أوقات الأزمات، واليوم وبعد أكثر من خمس سنوات من الانقلاب العسكري في 30 يونيو 2013، تعود الشرطة للعبث بأمن المصريين، وتنتقي الأماكن التي تقوم بحراستها، بل وأحيانا تتقاسم غلة السطو على السيارات والمنازل، وتقتل الأطفال في حوادث البحث عن الآثار. واقعة الانفلات الجديدة حدثت اليوم الثلاثاء، عندما ضبط الأهالي في شارع فيصل بالقاهرة سائق ميكروباص، اتّهمته سيدة بمحاولة اختطافها والتعدي عليها، وسمع الأهالي استغاثة السيدة داخل الميكروباص، وعلى الفور تم إيقاف السيارة والقبض على سائقها وقاموا بتحرير السيدة، وأظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل التفاف الأهالي حول السائق وأوسعوه ضربًا، ثم تم إجباره على الصعود لأعلى السيارة، مرتديًا ملابسه الداخلية فقط، والتقطوا له صورًا، في ظل غياب تام للشرطة. نتيجة الظلم تقول الناشطة مديحة عاصم: “بمناسبة التحرش.. سواق ميكروباص اتحرش بواحدة بنت راكبة معاه. استغاثت بالناس في الشارع مسكوا السواق وهروه ضرب وقلعوه هدومه، ووقفوه على عربيته انتظارا للشرطة! برافو_فعلا”. وتضيف: “ناس مع وناس ضد.. في الحقيقة الناس اللي ضد عندهم حق فيه قانون ياخد حقها إحنا مش عايشين في غابة.. والفضيحة ممكن تضر أمه أو أخته أو ابنه.. والناس اللي مع ده مجرد رد فعل من الفرحة في الخنزير نتيجة الظلم اللي واقع على المرأة من أمثال الخنزير.. إنما لما يقعد مع نفسه ويفكر هيعرف إننا مش في غابة”. ويقول الناشط أحمد أمير: “خلاص ما تزعلوش من الناس لو قتلت بعض في الشارع بحجة الحفاظ على الأخلاق.. وكل واحد يشوف إن فيه شخص بيعمل حاجة غلط يضربه أو يقتله أو يذله ويهينه في الشارع أمام أعين كل الناس.. ونلغي وزارة الداخلية والقانون والمحاكم، ونسيب الناس تأخد حقها بأيديها”. أين الأمن؟ ويقول الناشط جابر العرابي: “معالجة شيء خطأ بارتكاب خطأ لا يقل عنه سوءا.. كفاية ياخد قلمين ويروح القسم يتعمل ليه محضر. أنا ضد تعرية المجرمين في الشارع”. وتمثلت قدرة المصريين على ضبط الأمن في تكوين اللجان الشعبية أثناء ثورة يناير 2011، عقب انهيار المنظومة الأمنية بالبلاد وسقوط جهاز الشرطة، وتزايد أعمال السرقة والنهب والفوضى بالبلاد عقب اقتحام السجون وتهريب الخارجين عن القانون. فقد تعرض جهاز الشرطة في 28 يناير، لحالة من الرفض الشعبي والغضب ضد انتهاكاته ضد المواطنين، إذ قامت حكومة المخلوع مبارك إبان ثورة يناير بإحراق أقسام الشرطة ومقارها، وأمرت قوات الأمن بالانسحاب من الشوارع والميادين بكافة أنحاء الجمهورية، فكانت النتيجة هي الفوضى والانفلات الأمني والتخريب والسرقة من قبل العناصر الخارجة عن القانون. وعقب سقوط جهاز الشرطة بساعات، سرعان ما أدرك المصريون تهديد المخلوع مبارك “أنا أو الفوضى”، فقاموا بتكوين اللجان الشعبية لتأمين أنفسهم ومنشآتهم وممتلكاتهم الخاصة والعامة، والإمساك بالعناصر الإجرامية الهاربة من السجون وقتها، والتي تحاول زعزعة الاستقرار وترويع الآمنين. وبدأت فئات الشعب تُقسّم نفسها إلى مجموعات للقيام بهذا الدور العظيم، والذي استطاع شباب ورجال مصر الأوفياء من خلاله تجسيد مشهد وطني بكل المقاييس، لا فرق فيه بين مسلم ومسيحي، الكل هدفه الحفاظ على مصر وأمنها من المخربين، بعد الغياب المفاجئ لقوات الأمن، فهل عادت أيام يناير وظهرت في حادثة فيصل وغيرها؟