ملايين المصريين الذين صدمهم السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ينسون، أو بالأحرى يتناسون ما فعله بهم السفيه منذ الأيام الأولى للثورة وحتى بعد الانقلاب، والنسيان هو آفة التاريخ الذي يجيد العسكر تزويره، حتى إن البطل "عيسى العوام" تحول في سينما العسكر من مسلم إلى مسيحي، وريا وسكينة تحولوا من مقاومة الانجليز وقتلهم إلى سفاحتين حولتا بيتهما إلى وكر لممارسة الدعارة، فلا عجب أن تتحول ثورة 25 يناير إلى مؤامرة وانقلاب 30 يونيو إلى ثورة. كثير من الوثائق تكشفت في قضية إعدام السيدتين المصريتين ريا وسكينة، بعد بحث دام أكثر من 10 سنوات، توضح أن التهمة التي نسبت لهما تم تلفيقها بالكامل لصالح المحتل الإنجليزي، عن طريق قضاء مصر الشامخ بل وتم تعديل القانون الذي كان يمنع إعدام النساء، ومن أبرز المغالطات التاريخية أن عدد القتلى في ذلك الوقت كان 114 قتيلاً من الإنجليز وليس 17 سيدة مصرية كما يدعي الحكم، وهو ما يؤكد أن الخيانة وصلت إلى إعدام المصريين لأجل الإنجليز، وما حادثة دنشواي والإعدامات الشهيرة عنا ببعيد. إذن وبعد قرن من الزمان وفوات الأوان يكتشف المصريون أن ريا وسكينة، كانتا مناضلتين ضد الاحتلال الانجليزي للإسكندرية وكانوا هم وشركاؤهم عبد العال وحسب الله وغيرهم عرابي حسان وعبد الرازق يوسف يستدرجون الجنود الإنجليز ويقتلوهم، ولم يقتلوا نساء كما أشاعت أفلام جمال عبد الناصر في سينما ومسرح ومسلسلات العسكر، وبذلك يكون المصريون تعرضوا لأكبر قصة خداع طوال قرن تقريبا، وأن أفلام السينما والمسرحيات التي تناولت القضية كرست لصورة السفاحتين ريا وسكينة، برغم أن الحقيقة غير ذلك. عبد الناصر وعيسى العوام وفي فيلم الناصر صلاح الدين ظهرت شخصية "عيسى العوام" وبحسب السيناريو كان مسيحيا وبطلا عربيا، كان ولاؤه للقومية العربية والوطن العربي أعظم من ولائه لدينه المسيحي؛ ولهذا حارب أهل دينه الصليبيين، مع القائد المسلم صلاح الدين، وضحى بنفسه في سبيل القضية القومية حتى استشهد، للأسف السيناريو الذي تم تفصيله على مقاس الزعيم عبد الناصر لا علاقة له بالمصداقية التاريخية أو الفكرية.. وليس سوى خيال وأساطير. أما القصة الحقيقية للبطل المسلم "عيسى العوام" فهي موجودة في كتاب "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" لابن شداد، قاضي صلاح الدين الأيوبي، وهي موجودة أيضا في كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والنورية" لأبي شامة المقدسي الذي ساق القصة نقلا عن العماد الأصفهاني أحد كتبة ديوان صلاح الدين. ومن تزوير التاريخ الذي يجري الآن الحكم بإعدام 75 بريئا في هزلية فض اعتصام رابعة، معظمهم من جماعة الإخوان المسلمين التي يحاول قضاء العسكر وإعلامهم تلويث سمعتها عبر وصمها ب"الإرهاب"، حيث تحول القاتل إلى ضحية والضحية إلى قاتل، وأصبح الواقع فانتازيا سوداء وشروع في مذبحة جديدة تستكمل بها سلطة الانقلاب مذبحتها الكبرى التي ارتكبتها هذه السلطة ذاتها يوم 14 أغسطس 2013 وما تلاها من مذابح قتلت فيها آلاف المصريين المعتصمين والمتظاهرين سلميا، حتى إن منظمة العفو الدولية وصفت المحاكمة بأنها تفتقر لأدنى ضمانات المحاكمة العادلة، فحتى الآن لم يتم محاسبة أحد من قوات الأمن على مقتل ما لا يقل عن 900 شخص خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة. التزوير لم يبدأ من لحظة انقلاب السفيه السيسي فحسب، بل منذ انقلاب يوليو 1952 الذي صوره الجيش على أنه ثورة شعبية، ومنذ الدعاية الناصرية من أننا على وشك "رمي إسرائيل في البحر"، وإعلام نكسة يونيو 1967 الذي كان يبشر المصريين بأن جيشنا الباسل على مشارف تل أبيب في الوقت الذي كان فيه الإسرائيليون على بعد كيلومترات قليلة من القاهرة، وفي حرب 1973 التي صورها الجيش على أنها إنجاز الرئيس المخلوع حسني مبارك، متجاهلا القائد الحقيقي للمعركة، الجنرال سعد الدين الشاذلي، الذي هُضم حقه في أي اعتراف بدوره، والذي توفي في القاهرة -للمفارقة- يوم خلع مبارك عن السلطة. وبعد ثورة يناير وعملية الخداع مستمرة، أحداث محمد محمود، وأحداث مجلس الوزراء التي تلتها في ديسمبر من نفس العام واستشهد فيها الإمام الشيخ عماد عفت، وعُريت فيها "ست البنات"، وأحداث العباسية في منتصف 2012 وأحداث محمد محمود الثانية والتي استشهد فيها "جابر صلاح" أو "جيكا" على أيدي قوات الداخلية، في كل تلك الأحداث كان المشترك هو الدعاية التي يزيف بها الجيش التاريخ. لعنة التاريخ وبعد أن قتل الجيش أكثر من 5000 مصري أثناء فض اعتصامات مؤيدي الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وما قبلها في المنصة وعند الحرس الجمهوري، يقيم الجيش نصبا تذكاريا في موقع المذبحة، يمثل يدين ومحجر العين، اليدان هما الجيش والشرطة، يحميان الشعب المصري، نعم لا تتعجب، نصب تذكاري يمثل الجيش والشرطة يحميان المصريين في موقع المذبحة! لقد حاول ضباط 23 يوليو تطويع الشعب المصري وتحويله لخراف جاهزة للذبح، فذهبوا هم وبقي الشعب يصارع البلوى فتصرعه ويصرعها، كما حاول الطغاة عبر التاريخ تبييض صفحاتهم بالأكاذيب فلعنهم التاريخ ولاحقتهم لقبورهم الدماء التي أراقوها، واليوم وأمام مذبحة الشعب المخزية أثبتت الأحداث بأن الجيش هذه المؤسسة القمعية لا علاقة لها بالمجاهد أحمد عرابي، ولا تربطها صلة بأولئك الأبطال المصريين الذين سطروا ملاحم الدفاع عن الثغور والوطن وتحرير الأرض المحتلة. ظهر الآن عبر إعدام الضحية وتزوير التاريخ أنها مؤسسة فاشية تسير على خطى دكتاتور شيلي البائد (بينوشيت) وتسير على منهجه الدموي في معاكسة واضحة وبائسة لمنطق التاريخ وحركته السائرة دوما لصالح الشعوب الحرة، همجية جنرالات الهزيمة في مصر قد أسفرت عن وجهها القبيح وهي تنبذ كل الخيارات والجهود السلمية وتلوح بالدم والفتك من أجل انتصارات وهمية لن تدوم، وسيلعن التاريخ كل سفاح أثيم.