لم تمر مصر على مر العصور بأحداث أكثر فظاعة ولا جرما من هذه الأيام التي ارتكبت فيها أيدي آثمة بسلاح الغدر والخيانة والوحشية، وقتلت الأرواح المسالمة زورا وبهتانا مع تخطيط مسبق، ثم تزور الحقائق ليصبح المقتول ظالما وتسيل الدماء الزكية المصرية على الأرض، ليخرج علينا الآثمون القتلة ليخبرونا بتمثيلية هزلية مفادها أن هؤلاء الشهداء من المجرمين الذين اعتدوا على المنشآت هنا وهناك مع أن كل العالم رأى هؤلاء على مدى أكثر من أربعين يوما في الميادين يذكرون الله ويشيدون بالوطن العظيم مصر ويطالبون بإعادة الشرعيه للبلاد. إن المشهد الذي حدث اليوم أكبر بكثير من الكلمات، بل إن قواميس اللغة تتعطل بل تتوقف تماما عن إمداد الإنسان بالمفردات، فبعد خطف رئيس شرعي منتخب واعتقاله في مكان غير معروف حرصا -كما قال الخاطفون- على سلامته، والعالم كله يسخر ويضحك، أي سلامة يقصدون؟! وبعد اعتقال أبرياء لا جريرة لهم إلا أنهم يطالبون بالشرعية والديمقراطية، وبعد تعطيل الدستور الذي حظي بالقبول من الشعب عبر صناديق الاستفتاء، وبعد حل مجلس الشورى الآتي ديمقراطيا عبر الصندوق، بعد كل هذا يأتي هؤلاء بالسلاح الذي يدفع الشعب المصري ثمنه من قوته وقوت أبنائه ليقتل هؤلاء الآثمون المعتصمين السلميين الركع السجود لإغراق الجيش المصري الذي كان درعا لمصر ضد أعدائها الحقيقيين ولجعله طرفا في الصراع، وهذه جريمة ضد جيشنا لا تغتفر. إن الذين قتَّلوا (بتشديد التاء) ولا أقول قتَلوا فقط، ومعهم من أعانهم أو رضي بهذه الجرائم النكراء سيحملون أوزارهم كاملة ليبوء كل فرد منهم بالخزي في الدنيا، واحتقار كل إنسان حر في هذا العالم، ثم ينتظره عذاب الله يوم القيامة ليذوق وبال أمره. إن الذي حدث اليوم مع كونه عقوقا للوطن هو قتل متعمد لأمنا مصر وفتح لأبواب الكراهية والعنف، ليس للإخوان المسلمين كفصيل نتفق أو نختلف على آرائه، بل كراهية لكل أفراد الشعب المصري من المسلمين والمسيحيين. رحم الله الشهداء الأبرار الذين هم ليسوا من فصيل واحد، بل لن تسألهم الأرض التي ستفخر بأن يدفنوا فيها، لن تسألهم من أي فصيل أنتم؟ رحمهم الله رحمه واسعة، فلقد تظاهروا بسلمية أبهرت كل العالم، إنهم أبوا إلا أن يكونوا رجالا عظاما فوق الأرض، ثم عظاما أحياء تحت الأرض، وستبقى دمائهم الزكية التي تأبى الأرض أن تتشربها لعنة على قاتليهم ومن رضي بذلك. وأسأل الله أن يرزق أهليهم -وهم كلنا- الصبر والأجر من الله، وأن ينتقم الله من القتلة الكذابين، الذين سوف يرون يوما قريبا بإذن الله أبيض على كل مظلوم أسود على كل ظالم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.