ازدادت هجمات نظام الانقلاب العسكري، على حرية الصحافة والإعلام، خلال شهر يونيو الحالي، مع مطلع الولاية الثانية لحكم قائد الانقلاب؛ حيث بلغت الانتهاكات بحق الصحفيين وحرية الإعلام حدًّا غير مسبوق، في الفترة الماضية، ووُضعت مصر في المرتبة 161 عالميًّا في سلم حرية الصحافة، بالتزامن مع تمرير تعديلات تشريعية في البرلمان لشرعنة حجب المواقع الإلكترونية بحجج واهية، ومناقشة مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، للهيمنة على الصحافة بشكل نهائي وجعلها تابعة لسلطة الانقلاب، وتهديد كل من تسول له نفسه بكتابة أي انتقاد لسلطة الانقلاب على مواقع السوشيال ميديا. ويفتتح أي نظام ولايته بالتخفيف من حدة القيود على الصحافة، حتى ولو كان نظامًا استبداديًّا، لكن نظام السيسي وأجهزته خالفوا كل التوقعات وازدادت هجمتهم ضراوة حتى وقت أداء السيسي لليمين، وسجلت بداية ولايته الثانية توقيف الصحفي الشاب محمد سعيد، وآخرين في قضية جديدة لا اعتبار لها قانونًا، بينما لا يكاد يمر شهر واحد دون زيادة لأعداد الصحفيين داخل السجون ودون توسع لقيود النشر، بل وتتفنَّن السلطة في فرض المزيد من القيود التشريعية؟! ولا تراعي حتى هذا الدستور والقانون في حقوق الصحفيين داخل أماكن الاحتجاز فتُهملهم طبيًّا وتُطلق عليهم زبانيتها للاستمتاع بانتهاك حقوقهم داخل السجون!. وفي شهر يونيو، تصدَّرت قيود النشر ب 8 انتهاكات، تلتها انتهاكات السجون ب 6 انتهاكات، ثم انتهاكات الحبس والاحتجاز وانتهاكات المحاكم ب 3 انتهاكات، وقيود تشريعية، وانتهاكات نقابية، بواحدة لكل منهما، ولم يُفرَج هذا الشهر سوى عن صحفي واحد فقط، وهو الصحفي صبري أنور محمد عبد الحميد –جريدة "البديل" – وذلك بعد توقيف دام أكثر من سنتين. جاء ذلك استمرارًا للانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون، والتي كان أخرها في شهر مايو المنصرم، ومن بينها اعتقال الإعلامي والمُدوّن "شادي أبو زيد" -مراسل برنامج "أبلة فاهيتا" السابق- بعد اقتحام قوات الأمن لمنزله فجرًا، وظهور المصور الصحفي بموقع "مصر العربية" بلال وجدي بعد إخفاء قسري 40 يومًا، وقررت نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في عدة قضايا سياسية، بسبب نشاطه كمصور صحفي، وتم ترحيله بعدها لمعسكر الأمن المركزي بالكيلو عشرة ونصف. كما تم اعتقال المدوّن والكاتب الصحفي وائل عباس، بعد أن اقتحمت قوات الأمن منزله بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة فجرًا، وقامت باختطافه؛ حيث جرى إلقاء القبض عليه دون أن تقدّم القوة الأمنية للمتهم أو لأفراد أسرته إذنًا من النيابة، أو تعلن عن أسباب القبض عليه، ووجهت له اتهامات بالانضمام لجماعات إرهابية، فضلاً عن اعتقال عدد من الصحفيين الآخرين قانون تنظيم الصحافة والإعلام من جهته، قال جمال عبد الرحيم، عضو مجلس النقابة، إن قانون تنظيم الصحافة والإعلام المعروض حاليًّا به نحو 15 مادة ضد الصحافة وضد الحريات والصحفيين والمؤسسات القومية، ويهدف إلى تصفية المؤسسات الصحفية وتسريح الصحفيين. وأوضح عبد الرحيم، عضو لجنة صياغة ملاحظات النقابة على القانون، في تصريحات صحفية، مساء أمس الخميس، أن القانون يتضمن نصًّا صريحًا يعطي للهيئة الوطنية للصحافة صك إلغاء ودمج المؤسسات الصحفية دون الرجوع للمؤسسات، كما أنه يعطي الحق للهيئة للسيطرة التامة والكاملة على المؤسسات الصحفية عبر تشكيل الجمعيات العمومية؛ حيث إن تشكيلها الجديد يتكون من 17 فردًا برئاسة رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، منهم 10 تُعينهم الهيئة الوطنية للصحافة، فيما يمثل المؤسسة 6 فقط بالانتخاب 2 من العمال و2 من الإداريين و2 من الصحفيين وبالتالي أصبح رئيس الهيئة هو رئيس الجمعيات العمومية في كل المؤسسات. وتابع عبد الرحيم: "موضوع الحبس الاحتياطي من أخطر النصوص؛ حيث إن المادة 71 من الدستور تنص على منع قضايا الحبس في قضايا النشر عدا جرائم التمييز بين المواطنين والتحريض على العنف والطعن في الأعراض؛ حيث قصد المشرع إلغاء الحبس الصادر عن طريق أحكام قضائية نهائية وليس الحبس الاحتياطي كما نص عليه القانون". وأكد الآلاف من الصحفيين الذين وقعوا على بيان عدد من أعضاء مجلس النقابة، رفضهم لمشروعات قوانين تنظيم الصحافة والإعلام المعروضة على برلمان العسكر، والتي تشكل اعتداء علي الدستور وردة واضحة عن الحريات الصحفية، وتفتح باب الهيمنة على العمل الصحفي. ولفت الموقعون على البيان أن مشروعات القوانين، بنصوصها الحالية، تصادر ما تبقى من مساحات للتعبير عن الرأي، وتخل بتعهدات مصر الدولية، عبر مواد تجافي روح الدستور ونصوصه المتعلقة بحرية الصحافة، ومن خلال تعبيرات مطاطة تتسع لتجريم كل صاحب رأي، وتهدر ضمانات أساسية للعمل الصحفي بإعادة الحبس الاحتياطي في جرائم النشر، الذي تم إلغاؤه منذ عقود، ونصت على عدم مشروعيته مواد قانون الإجراءات الجنائية وقانون نقابة الصحفيين الحالي والقانون (96 لسنة 1996) بشأن تنظيم الصحافة، وذلك كله من أجل حماية حرية الممارسة الصحفية، وضمانة لحرية التعبير من سيف الترهيب والتهديد. انتهاكات السجون على جانب الصحفيين المعتقلين، ارتفعت وتيرة الانتهاكات التي تحدث ضدهم في سجون الانقلاب، ومن بينها تعرُّض الصحفي معتز ودنان -الصحفي المعتقل على خلفية حوار أجراه مع المستشار "هشام جنينة"- لانتهاكات في مقر احتجازه في سجن "العقرب 2″، وتم التعدّي عليه من قبل ضابط الأمن الوطني بالسجن، كما حضر معتز للنيابة مقيد اليدين، في سيارة ترحيلات منفردًا، وبَدَا عليه الإعياء الشديد. أما الصحفي والباحث هشام جعفر فيتعرض لانتهاكات جسيمة داخل محبسه، على مدار ثلاث سنوات من حبسه، على الرغم من انتهاء المدة القصوى المسموح بها للحبس الاحتياطي بموجب القانون المصري، وهي سنتان. كما لا تزال الحالة الصحية للمصورة الصحفية علياء عواد في تدهور مستمر، وسط تجاهل تام من قبل المحكمة وإدارة سجن "القناطر" المحتجزة به لطلباتها المتكررة ونداءات المنظمات الحقوقية؛ لتوقيع الكشف الطبي على علياء وإجراء جراحة عاجلة لها. كما تم تغريب المصور الصحفي المعتقل حمدي مختار، بترحيله من سجن "طرة تحقيق" إلى سجن "العقرب 2″، بالإضافة إلى الاعتداء عليه بالضرب، وتجريده من مستلزماته، ووضعه في مكان مجهول. انتهاكات وقيود النشر أما في مجال قيود النشر، فبعد منع مسلسل "أرض النفاق"، في شهر رمضان، قامت جريدة "الجمهورية" الحكومية بمنع نشر مقال للكاتب لويس جرجس بعددها الورقي الصادر في هذا اليوم، وجاء المقال تحت عنوان: "صور من بلدي"، وكان يتحدث حول اليوم العالمي لحرية الصحافة، كما منعت جريدة "المساء" الحكومية نشر مقال للكاتب مؤمن الهباء بعنوان: "إسرائيل تحتفل"، كما أن مؤسسة "أخبار اليوم" عطّلت توزيع صحيفة مستقلة لمدة تزيد على ثلاثة أيام كاملة، ضمن محاولات الخنق والحصار على الصحافة. ومن بين انتهاكات المحاكم، قررت نيابة حوادث جنوبالقاهرة الكلية، إحالة المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا ب"قضية اللجنة الإعلامية الدولية لجماعة الإخوان" لنيابة أمن الدولة العليا؛ للاختصاص، وضمت القضية نحو 81 متهمًا بينهم عدد كبير من العاملين في عدد من الجرائد والمواقع الإلكترونية وبعض الإعلاميين العاملين في شركات الإنتاج الإعلامي؛ على خلفية اتهامهم في القضية رقم 10383 لسنة 2016 إداري المقطم. كما صدر في 22 مايو، حكم أول درجة من محكمة الجنايات العسكرية بشمال القاهرة بالسجن 10 سنوات للصحفي والباحث إسماعيل الإسكندراني،والمراسل التليفزيوني وليد محمد سليمان محارب، والسجن 15 عامًا (غيابيًّا) لإعلاميين آخرين، بينهم أيمن سليمان جاد، وحسام عبد الرحمن، وذلك في القضية رقم 18 لسنة 2018 جنايات عسكرية، والتي تدور حول نشر أبحاث ومقابلات صحفية عن الوضع في سيناء.