عندما قال لى أحدهم فى نادى الصيد، وعيناه تقذفان شررا وكراهية، بعد أيام من انتخاب مرسى، "تتحرق مصر بس ما يحكمهاش مرسى"، لم يكن للأمر علاقة بفشل فى الحكم أو عدم إنجاز، وعندما انطلقت "المليونيات" ضد مرسى فور نجاحه فى إحالة قادة المجلس العسكرى إلى التقاعد، واستفراده بالحكم كأول رئيس مدنى فى تاريخ مصر، لم يكن للأمر علاقة بفشل فى الحكم أو عدم إنجاز، وإنما القضية ببساطة هى العنصرية وتحكيم الأهواء المريضة، القضية هى أنه بينما نزل استفراد مرسى بالحكم بردا وسلاما على العسكر الذين أنهكهم الحكم وتعرضوا بسببه لإهانات مستمرة من العلمانيين وميليشياتهم الغوغائية، فقد كان فى الوقت نفسه صفعة مدوية على أقفية العلمانيين الذين يعشقون البيادة، وكانوا يتصورون أن مرسى سيكون بمثابة خيال مآتة فى ظل المشير، وأنه لن يجرؤ على الاستقلال بقراره، لهذا انطلقت "المليونيات" (على غرار ملايين تمرد) ضده بمعدل مرتين أسبوعيا. تولد العنصرية طاقة هائلة من الشر تشعل نارا متأججة فى الصدور. إن قلوب العلمانيين محروقة لأن أغلبية الشعب اختارت الإسلاميين المرة تلو المرة، وما فعلوه خلال الأسابيع الماضية من شحن إعلامى متواصل يستهدف الحشد والحشد المقابل، هو تأجيج النار فى صدور أكبر عدد ممكن من المصريين، حتى يطلق كل منهم هذه النار فى محيطه فى شتى أنحاء مصر يوم 30/6، وكنت قد نصحتهم فى بداية الثورة فى مقال بعنوان "الهوس بالإسلاميين وصفة أكيدة للفشل" بأن يتوقفوا عن شيطنة الإسلاميين والتحريض عليهم ويصرفوا جهدهم إلى التواصل مع الشعب وإقناع الناس بأفكارهم، ونصحتهم منذ شهور بأنهم إذا كانوا يريدون انتخابات رئاسية مبكرة، فإن الضغط على الرئيس من أجل هذا الإجراء الاستثنائى يستلزم منهم أولا أن يثبتوا أهليتهم للديمقراطية، وأن يتصالحوا مع الشعب ويستقووا به فى الانتخابات البرلمانية القادمة، فينجزوا أغلبية تمكنهم من الضغط من خلال جمهورهم والجماهير الأخرى التى اقتنعت بهم، وأنهم أخيرا قرروا احترام الشعب وأصواته التى عبر عنها من خلال الصناديق، ولكن هيهات.. فمن شب على شىء شاب عليه، هم شبوا على احتقار الشعب وكراهية الديمقراطية والرعب من الصندوق وتزوير الأصوات والتوقيعات.. يتأففون من استرضاء الشعب والاستقواء به، ولا يعترفون إلا بشعبهم (الشعب العلمانى) ومثقفيهم ومفكريهم وكتابهم وفقهائهم، أما كتاب ومفكرو الإسلاميين فهم "نكرات"، حسب تعبير عبد المعطى حجازى. عندما يتحدث محمد سلماوى عن "رفض المثقفين إخضاع الثقافة لجماعة الإخوان وتعاليمها"، فهو ينكر وجود مثقفين آخرين يرفضون استمرار إخضاع الثقافة لجماعة العلمانيين وتعاليمها التغريبية الإباحية الإلحادية، وعندما يصف الهمج الذين اقتحموا الوزارة واحتلوا مكتب الوزير بأنهم "ممثلو ضمير الأمة وصانعو وجدانها"، نقول له إن الطرف الوحيد المؤهل لإصدار هذا الحكم وتقرير من هم حقا ممثلو ضمير الأمة وصانعو وجدانها، هو الشعب.. ليس الشعب العلمانى، وإنما جموع الشعب المصرى. فإذا كنتم تثقون بتأييد الشعب المصرى لكم لما مارستم هذه الهمجية ضد حكومته ورئيسه المنتخب. ولأن الإسلاميين "نكرات" فلا بد من إقصائهم عن الساحة والاستراحة من إزعاجهم وإعادتهم إلى أوضاع زمن مبارك، وهذا لن يتحقق إلا من خلال دستور معلمن يحظر الأحزاب الإسلامية، ويقيم محاكم تفتيش عن الإسلاميين لإصدار أحكام بحظرهم ومنعهم من الترشح، فالقضاء المسيس الفاسد فى جيبهم يمكن للثورة المضادة منذ أن قرر مدعو الثورية التحالف معها، منذ البداية وهم يستميتون على الهيمنة على عملية وضع وصياغة الدستور لهذا السبب. طوال سبعة عقود كانت مصر بلدهم.. عزبة خاصة ينهبون خيراتها دون حساب، وهم يريدون أن يستمر الوضع على ما كان عليه، ولهذا عندما شن وزير الثقافة حربه على الفساد، لم يتحملوا هذا الأمر وكشفوا عن همجيتهم وحقارتهم، ليس فقط من خلال فعل الاقتحام والاحتلال، وإنما أيضا من خلال الحركات والألفاظ البذيئة التى شهدها وسمعها جميع شهود العيان الذين تظاهروا أمام الوزارة. إن مطلب الانتخابات المبكرة الذى رفعه شباب مضلل (بفتح اللام)، استخدمته جبهة الإجرام كدخان للتعمية عن الهدف الحقيقى، وهو الانقلاب على الحكم، فالانتخابات المبكرة إذا جرت ستجرى فى ظل الدستور الحالى، وهم يرفضون العودة إلى الصندوق (أيا كانت الانتخابات) إلا بعد استئصال الإسلاميين تماما من الساحة، حتى تخلو لهم ولا يجد الشعب أمامه من ينتخبه إلا هم. فقط الانقلاب على الرئيس مرسى وتشكيل "مجلس رئاسى" هو الذى يؤمن لهم إمكانية إسقاط الدستور الحالى وصياغة دستور جديد (على مزاجهم)، ولهذا لم تتوقف محاولاتهم للانقلاب على الرئيس المنتخب.. بدءا بالانقلاب القضائى من محكمة مبارك الدستورية، ومرورا بالانقلاب العسكرى الذى حرضت عليه جميع قياداتهم ورموزهم ومنظريهم وكتابهم، حتى جاءهم الرد المفحم من الفريق السيسى، وانتهاء بالانقلاب البلطجى بالتحالف مع بلطجية ومرتزقة النظام البائد، الذى وفرت له جبهة الإجرام الغطاء السياسى اللازم.. وتعاقبت الاعتداءات على قصر الرئاسة ومقار (الحرية والعدالة) وسفكت دماء المصريين وسقط القتلى، دون أن ينجحوا فى استدراج (الإخوان) إلى العنف المتبادل، أو فى النيل من شرعية الرئيس المنتخب، وبعد أن اقتنعوا بأن الميليشيات وحدها لن تنجز انقلابا، وأنه لا بد من حشود كبيرة تساند الميليشيات والبلطجية، تفتقت العقول الشيطانية عن فكرة جمع التوقيعات كوسيلة لحشد أكبر عدد ممكن من الناقمين على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى خلفها لنا زعيمهم المخلوع. هناك وسيلتان لإنجاز الانقلاب يوم 30/6 وما يليه: الدم وإسقاط الدولة. أكثر ما يبهج القمامة البشرية التى تدير وسائط الإعلام المسمومة هو الدم، فهم دائما يبحثون عن الجنازات ليشبعوا فيها لطما وصراخا وولولة، فينجذب إليهم القراء والمشاهدون وتزيد الإعلانات وتمتلئ جيوبهم بالملايين الحرام، الدم هو الوسيلة الوحيدة لتهييج الرأى العام والقوات المسلحة ونشر اليأس والإحباط من حكم مرسى، وعلى الرغم من أن هذا الدم المصرى سيكون أغلبه من دماء الإسلاميين، فسوف تستغله الوسائط لتحميل مرسى مسئوليته كما فعلوا مع أحداث قصر الرئاسة بديسمبر الماضى. تجنب هذا الاحتمال يكون بتجنب الإسلاميين الفخ المنصوب لهم وعدم النزول إلى الشوارع والميادين، وحض جميع المصريين على عدم النزول؛ لأن فرق القتل والقنص إذا لم تجد أمامها الإسلاميين لتسفك دماءهم، فسوف تتجه إلى أى متظاهر آخر، أيضا يجب الإعلان سلفا، وتكرار الإعلان بأن أى وجود لشارات الإخوان أو حماس فى الشوارع، فهى مدسوسة بهدف التوريط فى عمليات القتل، أما تجنب الاحتمال الثانى، وهو إسقاط الدولة عن طريق تخريب محطات توليد الكهرباء، وتنقية المياه، واقتحام الأقسام والسجون والمستشفيات، فيكون ذلك بتوجيه قوات مدججة من الجيش لحراسة محطات الكهرباء والمياه، وقوات الشرطة لحراسة الأقسام والسجون والمستشفيات.. وإصدار مجلس الشورى قانونا عاجلا يقضى بالإعدام على كل من يثبت عليه محاولة تخريب أى من مرافق الدولة الحيوية.. وإصدار الرئيس إنذارا بغلق فورى لأى صحيفة أو فضائية تحرض وتشجع وتبرر العنف.