قبل الحديث عن هذا الموضوع الخطير الذى يمثل أنصع صور الإنفاق السفيه، فى وقت نحن فيه أحوج ما نكون إلى الترشيد... أدعوك أيها القارئ إلى قراءة هذه القصة أو بالأحرى- الحادثة. ولدت طفلة بعيب خلقى. أفاد الأطباء بضرورة إجراء عملية جراحية ليس لها مكان فى غير إيطاليا (مدينة ميلانو) وليس لها من جراح غير (فلان). تم الاتصال بالجراح وعرض عليه الأمر فوافق على إجراء العملية فى مستشفاه بميلانو بتكلفة اثنى عشر ألف يورو، وحدد لها موعدا. استنجد والد الطفلة بوزارته فوافقت على الوفاء بتكلفة العلاج، وقامت بإرسال المبلغ المطلوب إلى القنصلية المصرية بميلانو لتحويله إلى المستشفى. سافرت العائلة الصغيرة إلى ميلانو قبل الموعد المحدد للعملية ببضعة أيام. فوجئ الوالد بأن القنصلية المصرية لم تقم بتحويل المبلغ إلى المستشفى. طالبها بسرعة التحويل. ماطلت القنصلية وتباطأت لسبب غير واضح (!). لم يجد الوالد غير التوجه إلى قسم شرطة ليحرر محضرا لإثبات الواقعة. هنا فقط أفاقت القنصلية وأبدت استعدادها لتحويل المبلغ، فقط مطلوب "الحلاوة"، هكذا قالوا.(!) أجريت العملية، وأوصى الجراح بعملية استكمالية بعد سنتين. مرت السنتان، وقامت الوزراة بإرسال المبلغ المطلوب إلى القنصلية ذاتها. تقاعست هذه كعادتها عن تحويل المبلغ إلى المستشفى الذى بدوره أعطى تعليماته إلى القنصلية الإيطالية بمصر بعدم إعطاء تأشيرة الدخول إلى إيطاليا إلا بعد تحويل المبلغ، إذ يبدو أن المستشفى قد استوعب الدرس، ولن يجازف مرة أخرى بإجراء عملية تريد قنصلية مصر فى ميلانو "حلاوة" إجرائها. أجريت اتصالات متعددة بين والد الطفلة والقنصلية المصرية بميلانو والقنصلية الإيطالية بمصر. وبعد لأى تعهدت القنصلية المصرية للمستشفى بتحويل المبلغ حال إجراء العملية. وإشفاقا على حال الطفلة مُنح الرجل التأشيرة وسافر وطفلته قبل أيام إلى هناك. هذا التصرف الغامض من قبل القنصلية المصرية يفتح بابا للتساؤلات: هل يستثمر المبلغ فى أحد البنوك ليحصل بعض موظفى القنصلية على فوائد ليست من حقهم دون النظر إلى خطورة وضع الطفلة المريضة، أم أن إطلاق سراح المبلغ من أسرهم مرهون "بالحلاوة". وأيعلم القنصل المصرى ما يدور، أم أن مثل هذه الأمور لا تشغله؟ إن تكرار التصرف الغامض وبعد مرور سنتين ربما تغير فى أثنائها طاقم القنصلية لدليل على نهج متوارث قوامه: "الحلاوة" أولا. ما حدث فى ميلانو ليس استثناء، بل يحدث فى كثير من مكاتبنا الدبلوماسية بالخارج، وكثير منا يسمع عن معاناة المصريين سواء المعارين أو الذين يعملون بعقود من الظلم الواقع عليهم من جهات العمل دون أن يتدخل أى من مسئولى هذه المكاتب، الأمر الذى يفقدها مبرر وجودها. وللحديث بقية إن شاء الله.