مع إعلان رئيس المجلس التأسيسى فى تونس مصطفى بن جعفر، أن مشروع الدستور سيكون جاهزا خلال يومين وسيعرض قريبا للنقاش بعد تقديم نسخة منه لرئيسى الدولة والحكومة، بدأت المعارضة "العلمانية" فى اللجوء لنفس السيناريوهات التى اتبعتها نظيرتها فى مصر من اتهام الحزب الحاكم ب"إفراغ توافقات الحوار الوطنى من جوهره"، وصياغة دستور خال من الحقوق والحريات وفى مقدمتها حقوق الإنسان، وهددت باللجوء إلى المحكمة الإدارية لمقاضاة الحركة. وفور إعلان بن جعفر -الذى جاء أمس الأول خلال لقائه بأعضاء لجنة متابعة نتائج الحوار الوطنى التى شكلت لبحث آليات التزام الأحزاب المشاركة فى الحوار بالاتفاقات المبرمة- شرعت المعارضة فى شن حملة لا هوادة فيها ضد حزب "النهضة" الحاكم، ووصفت الدستور الجديد بأنه وثيقة فضفاضة لا تضمن حقوق التونسيين وحرياتهم. وادعى النائب إياد الدهمانى عن الحزب الجمهورى، أن حركة النهضة تراجعت خلال الجلسات عن أهم التوافقات بما فيها الحريات والحقوق مثل حرية المعتقد والحق فى الإضراب، مشددًا على أن الأطراف التى اتفقت فى الحوار الوطنى يجب أن تحترم تعهداتها وعلى أن النواب لن يبيعوا ويشتروا فى باب الحقوق والحريات، وقد أعادت تلك الاتهامات للأذهان الحملة الشرسة التى شنتها المعارضة المصرية على الجمعية التأسيسية، حينما ادعت أن الدستور لا يرتقى إلى آمال المصريين وأنه يتجه نحو "أسلمة الدولة". من جانبه، اعتبر عمر الشتوى -النائب عن حزب المؤتمر- مشروع الدستور أنه "باطل من الناحية القانونية ولا يقوم على التوافق وإنما على المغالبة"، مؤكدا أن الدستور يجمع كل المنكرات القانونية والشرعية والسياسية -بحسب وصفه- وحمل المسئولية لرئيس المجلس التأسيسى مصطفى بن جعفر الذى قال إنه مارس سياسة الأرض المحروقة، واستبعد الخبراء بطريقة ذكية. وطالب الشتوى كل نائب شريف أن لا ينخرط فى "هذه المؤامرة الفاضحة" التى تعبث بنص الدستور الذى يتطلع إليه التونسيون ليؤسس دولة حرية وديمقراطية. أما المحلل السياسى وأستاذ القانون الدستورى "قيس سعيد الخلاف" فأرجع الخلافات بين كتل المعارضة وكتلة النهضة إلى "خلفيات سياسية" قائلا "التونسيون متصالحون فيما بينهم، وحدها الأحزاب تتخاصم ولو كانت هناك إرادة سياسيّة حقيقية لكانت هناك مصالحة سياسية بينهم". من جهته، قال رئيس حركة "النهضة" الشيخ راشد الغنوشى -خلال ندوة دولية حول "تفعيل مقاصد الشريعة فى المجال السياسى" استضافتها تونس مؤخرا-: "إن نواب المجلس التأسيسى يبذلون جهدهم فى العمل من أجل سن دستور حديث متلائم مع مقاصد الشريعة الإسلامية". ويتضمن الدستور التونسى الجديد فصلا عن الاستقلالية الإدارية والمالية لمجلس الشعب الذى يمثل السلطة التشريعية وهو الموضوع الذى يثير جدلا واسعا فى هذه الفترة داخل أروقة المجلس التأسيسى؛ حيث يصارع النواب من أجل استقلاليتهم المالية بالأساس ليرفعوا من المنح وفق ما يرونه صالحا، الأمر الذى تقف أمامه المحكمة الإدارية سدا منيعا. ومعنى الاستقلالية المالية ألا تتدخل أى سلطة أخرى فى الرقابة بخصوص الأموال التى سينفقها النواب فى أنشطتهم المختلفة، كما ينص فى فصله 51 على ضرورة أن تضع الدولة على ذمة مجلس الشعب الموارد المالية والمادية اللازمة لحسن أداء النائب لمهامه، غير أن الفصل لم يحدّد قيمة هذه الموارد المادية، كما سيكون رئيس الجمهورية المؤقت معفيا من أى مساءلة عن أفعاله وأعماله فى إطار أدائه لمهامه وفق الفصل 75.