فى مفارقة فنية هادفة بين السينما التى تبنى وتلك التى تهدم وتشوه؛ استضاف مركز بدرخان للفنون والثقافة -ضمن برنامج عروض نادى السينما بالمركز- فيلم "كيف ترانى" للمخرجة سعاد شوقى، والفيلم المغربى "القانون لا يحمى العذارى"، للكاتب والمخرج المغربى محمود فريطس. الفيلمان يطرحا قضايا متعلقة بالمرأة، ولكن الأول تاجر بها حينما حاول من خلال طرح قضية "كيفية تقييم الرجل الملتزم للمرأة المتحررة" أن يجسد كل الرجال المتدينين وكأنهم منحرفون ويعانون انفصاما فى الشخصية، "كيف ترانى" من إنتاج المركز القومى للسينما، سيناريو وحوار أحمد أبو الفضل وسعاد شوقى، مدير تصوير أشرف البرماوى، مونتاج كمال الملاخ، موسيقى تصويرية وائل بدراوى، ومن بطولة رامز أمير وأمينة خليل. يطرح الفيلم التساؤل الذى يدور فى ذهن المرأة المتحررة عن كيفية رؤية الرجل الملتزم لها، ولكن يصيب الفيلم عوار ونقص، حيث عرضت المخرجة وصاحبة الفكرة سعاد شوقى نموذجا للرجل أو الشاب الملتزم وكأنه مصاب بانفصام فى الشخصية، فيبدو ملتزما ظاهريا ولكنه يختلس النظر للنساء اللاتى يتعامل معهن، كزميلته فى العمل، وجارته فى السكن، والثانية هى الفتاة المتحررة التى تربطه بها علاقة عاطفية قصيرة جدا، واصفا المتدين بالمريض الذى لا يمكن الحكم على الأمور من زاويته وتحليله. سؤال آخر أكثر استفزازا طرحه الفيلم، وهو: متى سنرى نموذجا لرجل أو امرأة ملتزمين دينيا ومن الأسوياء؟ أم أن الالتزام دائما ما يعنى عدم الاتزان؟! فى توجيه عنصرى بغيض ضد الملتزمين، وتشويه لصورة الشخص المتدين الذى يكون متزنا نفسيا لدرجة لا يمكن أن تتصورها مخرجة الفيلم وهى تطوع فكرها لنشر هذا الفكر العنصرى. تلك الأسئلة التى لم تتح مخرجة الفيلم الفرصة لطرحها عليها فى الندوة التى أعقبت عرض الفيلم، وكأنها تعلم جيدا مدى الهجوم الذى ستتعرض له. أما الفيلم المغربى فقد جاء على النقيض تماما، فهو يقدم فكرة واقعية قرأها المخرج أحمد فريطس المغربى الأصل والمقيم بفرنسا فى إحدى الجرائد عن فتاة مغربية تعرضت لحادثة اغتصاب، وحسب القانون والتقاليد فى المغرب إذا وافق المغتصب على الزواج من الفتاة التى اعتدى عليها فإنه لا يتعرض للمساءلة القانونية حسب المادة رقم 475 من القانون المغربى، فقام الأهل بزف الضحية إلى مغتصبها رغما عنها ليغتصبها مرة أخرى تحت ستار الستر والشرعية، فلم تجد لنفسها مهربا من ذلك الكابوس سوى أن أنهت حياتها بيديها. حركت تلك الحادثة روح الفنان الثائر على أخطاء المجتمع، فبادر بالعودة إلى موطنه الأصلى المغرب ليعرض الفكرة بتنفيذ عمل فنى لإلقاء الضوء على تلك الحادثة ووضعها أمام القائمين على الإنتاج الفنى فى دولة المغرب من منتجين ومؤسسات سينمائية، فوجد تخاذلا من جميع الجهات، وامتد الأمر، بل وعارض البعض الفكرة، فلم يجد أمامه سوى أن يتولى تنفيذ الفيلم بالكامل بنفسه بداية من إعداد السيناريو والإخراج والتصوير والمونتاج ووضع الموسيقى التصويرية وكل ما يتطلبه العمل من فنون مختلفة؛ لينتهى من تنفيذ الفيلم خلال أربع وعشرين ساعة، ويغامر بسمعته كمخرج سينمائى له العديد من التجارب السينمائية الطويلة الناجحة بتنفيذ فيلم قصير يفقد الكثير من الفنيات والتقنيات التى تؤهله ليصنف كفيلم سينمائى. ولكن تلك الحالة الثورية التى أفرزها غضب فريطس استطاعت الكشف عن الوجه الحقيقى لمدى تأثير القوى الناعمة والفنون والثقافة عندما تغضب على المجتمع وعاداته السيئة وتخاذله أمام الظلم والقهر للفئات الأضعف فتقلبه رأسا على عقب، وبالفعل يتغير القانون بعد هذا الفيلم ليلتزم بتنفيذ عقوبة تتراوح مدتها من 20 إلى 30 سنة فى حق المغتصب بغض النظر عن تنازل الضحية عن حقها أم لا، وقبل عرض الفيلم كانت تقتصر عقوبة هذه النوعية من الجرائم على السجن لمدة تتراوح من سنة إلى ثلاث سنوات حبس وغرامة 500 درهم. وبعد عرض الفيلم جرى التواصل مع فريطس عبر ال"سكايب" حيث قدم الشكر لجمهور الفيلم والجمهور المصرى عامة، وأعرب عن اعتزازه بدور مصر الريادى فى الفن وخاصة فى مجال السينما؛ ثم حكى عن تجربته مع الفيلم منذ اطلاعه على الحادثة وانفعاله بها إلى أن خرج الفيلم إلى النور، وما لاقاه من معارضه شديدة من الأوساط الفنية وتعنت السلطات الرقابية. وضع الفيلم المغربى بصمة واضحة على الدور الذى يلعبه الفنان حينما ينتقى العمل الذى يقدمه؛ وفى هذا يتفاوت الفنانون، فمنهم من يرصد حالة ومنهم من يقدم رؤية ومنهم من يقدم رسالة، ومنهم من يكتفى بطرح المشكلة، ومنهم من يحاول تقديم الحلول، وليس عيبا على الإطلاق أن يقدم الفنان عمل فنيا من أجل الفن لا يرمى به إلى أى شىء آخر، ولكن العيب كل العيب أن يدعى الفنان أنه ينتقد ويعالج ويقدم الحلول وفى النهاية لا تصل رؤيته إلى الجمهور، وعندما يسألونه عنها لا يجيب، فما ذنب الجمهور أنهم لم تتح لهم الفرصة كى يستطيعوا فهم واستيعاب هذا المنتج الفنى العظيم الراقى؟! فلننظر ماذا قدم "القانون لا يحمى العذارى" للمجتمع وماذا قدم "كيف ترانى" لكى نعرف مع أى نوع من الفنانين نتعامل فى كلتا التجربتين.