على عكس ما كنا نتوقع أن يسهم الربيع العربى فى وضع حد للاستفزازات الصهيونية للأراضى والمقدسات الإسلامية، قامت الحكومة والمستوطنون الصهاينة مؤخرا بسلسلة من الانتهاكات غير المسبوقة، والتى وصلت لدرجة شن حرب على قطاع غزة، لاختبار مدى قوة حركات المقاومة الإسلامية إثر ربيع الثورات العربية، ومقدار التغير فى سياسة مصر الخارجية إزاء الكيان الصهيونى بعد الثورة المباركة، ووصل الاستفزاز لقمته بتسارع حركة البناء فى المستوطنات الصهيونية بشكل لم يسبق له مثيل، وزيادة عمليات التهويد للمقدسات الإسلامية، وعدم الإذعان للضغوط والمطالب الخاصة بضرورة احترام المقدسات الإسلامية، بالرغم من زيارة أوباما وجون كيرى للمنطقة، وحديثهما عن عملية السلام، التى دخلت فى نفق مظلم، قد لا تخرج منه مرة أخرى فى القريب العاجل. وكان أكبر وأخطر تحول فى مسار القضية الفلسطينية وعملية السلام يتمثل فى إحالة ملف المستوطنات الصهيونية لوزيرة العدل الجديدة "تسيبى ليفنى"، لتصبح قضية داخلية غير قابله للتفاوض أو التباحث أو حتى النقاش بشأنها فى أى لقاءات خارجية، سواء مع الأطراف الفلسطينية أو الإقليمية أو الدولية ممثلة فى مبعوثى السلام فى الشرق الأوسط، ليصبح بذلك الحديث عن عملية السلام ترفا لا طائل ولا جدوى من ورائه، إذ تعد مسألة المستوطنات أهم وأخطر القضايا المعروضة على طاولة المفاوضات، والتى كانت السبب الرئيسى وراء عدم الوصول لحلول توافقية فيما يتعلق بعملية السلام فى الشرق الأوسط. وتتمثل خطورة هذه المسألة فى أنها تقضى على أى إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية، إذ لن يكون بمقدور الأطراف الدولية -خاصة الولاياتالمتحدة- الوفاء بالتزاماتها ووعودها الخاصة بإقامة الدولة، بعد أن باتت مقطعة الأوصال بشكل رسمى، وباتت عملية التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة شبه مستحيلة، ومحكومة بإرادة العدو الصهيونى، المتحكم فى حركة المعابر الفاصلة بين الكيانين. وقد سبق تلك الخطوة الخطيرة فى مسار القضية حديث الحكومة الصهيونية والولاياتالمتحدة داخل أروقة الأممالمتحدة عن مسألة تبادل الأراضى، بحيث يتم استبدال أراض تفتقد لأدنى مقومات الحياة فى النقب الغربى بالأراضى التى يسيطر عليها الصهاينة ويبنون عليها مستوطناتهم غير الشرعية، وهو ما كادت أن توافق عليه الدول العربية، لولا موقف حركة المقاومة الإسلامية حماس، التى رفضت تلك المسألة باعتبار أنها تمثل ضياعا، ليس فقط للأراضى والحقوق الفلسطينية، وإنما ضياع للقضية بأسرها، وجعل الكيان الصهيونى يتحكم فى مسار وحياة الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى. وتستغل الحكومة الصهيونية حالة الضعف الشديد والانشغال الكبير للدول العربية والإسلامية بتطورات الأوضاع فى سورية وغيرها من دول الربيع العربى، لتمضى قدما فى تنفيذ مخططاتها الخاصة بفرض وقائع جديدة ومستفزة على الأرض، يصعب تغييرها من خلال المفاوضات، خاصة وأن تلك المفاوضات ثبت فشلها، ولم تقدر فى أى وقت سابق أن تعيد حقا أو تغير واقعا تم فرضه على الأرض بالقوة. يتزامن ذلك مع حركة أمريكية غير مسبوقة تتحدث عن السلام، يقودها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، الذى يحمل على عاتقه إعادة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والصهاينة، ولكن تلك التحركات تبدو متأخرة، وتهدف لخدمة المخططات الصهيونية، من خلال الضغط على الدول العربية للموافقة عليها، باعتبار أنها الحل الوحيد المطروح على طاولة المفاوضات من قبل العدو الصهيونى، خاصة وأن الدول العربية التى تعيش مرحلة تحول ديموقراطى غير مسبوقة فى تاريخها تبدو غير قادرة على التصدى لتلك المخططات فى الوقت الراهن، وتنشغل بشكل كبير بتطوراتها الداخلية، وكذلك تطورات الثورة السورية، التى توشك أن تدخل فى أتون حرب أهلية ودولية، تضر بأمن واستقرار المجتمعات العربية والإسلامية، خاصة فى منطقة الخليج، التى تعيش على صفيح ساخن خوفا من نجاح النظام السورى الموالى لإيران فى القضاء على الثورة السورية المباركة، واستكمال مخطط الهلال الشيعى الهادف لتطويق المنطقة والهيمنة عليها. ومن هنا يتعين أن تظل القضية الفلسطينية فى بؤرة الاهتمام العربى والإسلامى الشعبى والرسمى، باعتبار أنها تمثل محور الحركة الرئيسى فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن العدو الصهيونى دائما ما يعمل على شغلنا بأزمات وقضايا هامشية، حتى لا نلتفت لانتهاكاته المستمرة للأراضى والمقدسات الإسلامية فى فلسطين.