ليس بوسع مؤمن يهمه أمر الإسلام والدعوة إليه وتقصي أحوال دعاته، أن يجهل اسم هذا الداعية، الذي قدر له أن يحمل أمانة القيادة لأكبر حركة إسلامية عرفها القرن الماضي والحالي. هو عمر التلمساني المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، الذي ولد في 4 نوفمبر 1904م، في حارة حوش قدم بالغورية قسم الدرب الأحمر بالقاهرة من أصل جزائري ببلدة تلمسان، جاء جدهالقاهرة واشتغل بالتجارة، وأصبح من كبار الأغنياء. تزوج التلمساني في سن مبكرة في سن الثامنة عشرة، وهو لا يزال طالبًا في الثانوية العامة، ولم يتزوج عليها حتى توفاها الله في أغسطس عام 1979م، بعد أن رزق منها بأربعة من الأولاد: عابد، وعبد الفتاح، وبنتين. حصل على شهادة ليسانس الحقوق، عمل بمهنة المحاماة وافتتح مكتبًا في شبين القناطر، وفي سنة 1933م التقى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان في منزله، وبايعه، وأصبح من الإخوان المسلمين وكان أول محامٍ يعمل بتوكيل من الجماعة التي قبض عليهم للدفاع عنهم في المحاكم المصرية. دخل السجن في عام 1948 ثم 1954م وأفرج عنه في آخر يونيو 1971م جاءه ضابط المعسكر، وقال "لقد أفرج عنك، فاجمع حاجتك لتخرج، وكان الوقت بعد العشاء"، فقال للضابط "ألا يمكن أن أبيت الليلة هنا، وأخرج صباحًا فإني قد نسيت طرقات القاهرة"، فقال له الضابط "هذه مسئولية لا أستطيع تحملها، تفضل أخرج من السجن". اختير مرشدًا للجماعة بعد وفاة المستشار حسن الهضيبي ثم قبض عليه السادات مع المئات من مفكرين وأقباط وأساقفة وكتاب وغيرهم في عام 1981م. لقد اختار الله التلمساني ليقود الجماعة في سنوات ما بعد محنة السجون التي استمرت قرابة ربع قرن من الزمان، فاستطاع بحكمه الشيخ الذي حنكته السنون، وأنضجته السجون، وبميزات شخصه منحه الله إياها، وبأخلاق الإسلام التي صبغت سلوكه وتصرفاته، أن يفرض "الوجود الفعلي" لجماعة الإخوان المسلمين على الواقع المصري، والعربي، والعالمي، فعلى مدى العقدين الأخيرين: عقد السبعينيات وعقد الثمانينيات كانت كلمات التلمساني، وتصريحاته وكتاباته تبرز في مقدمة وسائل الإعلام محليًّا وعربيًّا، وعالميًّا، والإذاعة ووكالات الأنباء من كل أنحاء العالم، وجاءه مندوبو الصحف حتى اعتبر عام 1980 صاحب أكبر عدد من الأحاديث الصحفية والتليفزيونية على مستوى العالم. لقد عرفه جمهور الناس أسلوبه الحكيم من خلال حواره مع الرئيس أنور السادات، يوم وجه هذا هجومه العنيف عليه وعلى الإخوان، وساق إليهم أنواع التهم المفتراة، وهو يظن أن خوف السلطة سيقطع لسانه عن الرد، فإذا هو يخيب فأله ويلتف على مفترياته بالحجة الداحضة حتى يختمها بقوله: الشيء الطبيعي بإزاء أي ظلم يقع عليَّ من أي جهة أن أشكو صاحبه إليك بصفتك المرجع الأعلى للشاكين بعد الله، هأنذا أتلقى الظلم منك فلا أملك أن أشكوك إلا إلى الله. من كتاباته: ذكريات لا مذكرات، وشهيد المحراب، وحسن البنا الملهم الموهوب، وبعض ما علمني الإخوان، وفي رياض التوحيد، والمخرج الإسلامي من المأزق السياسي، والإسلام والحكومة الدينية، والإسلام ونظرته السامية للمرأة، وقال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر، ولا نخاف السلام ولكن، وأيام مع السادات، وآراء في الدين والسياسة. وتوفي في يوم الأربعاء 13 من رمضان 1406ه الموافق 22 مايو 1986 عن عُمْر يناهز 82 عامًا، ثم صُلِّي عليه بجامع "عمر مكرم" بالقاهرة، وكان تشييعه في موكب مهيب شارك فيه أكثر من ربع مليون نسمة وقيل نصف مليون من جماهير الشعب المصري فضلاً عن الوفود التي قدمت من خارج مصر. وكان الشباب دون العشرين، وفوق العشرين، الذين جاءوا من مدن مصر، وقراها، يشاركون في الوداع، وهم يجرون حفاة الأقدام خلف السيارة التي تحمل الجثمان، ودموعهم تكسو وجوههم، يبكون فيه الداعية، وقد شاركت الحكومة في عزاء الإخوان المسلمين، وفي تشييع الجثمان، وحضر رئيس الوزراء، وشيخ الأزهر، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ورئيس مجلس الشعب، وبعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ومجموعة كبيرة من الشخصيات المصرية والإسلامية إلى جانب حشد كبير من السلك الدبلوماسي، العربي والإسلامي، وشارك وفد من الكنيسة المصرية برئاسة الأنبا غريغوريوس في تشييع الجثمان.