ستظل المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة -سواء بالدول المتقدمة أو بالدول النامية- هى الأكثر عددا بالمقارنة بعدد المشروعات الكبيرة، وصاحبة الدور الأكبر للاعتماد على الذات، والأكثر توظيفا للعمالة، والأقل تكلفة فى توفير فرص العمل، وهو ما يتوافق مع ظروف المنطقة العربية التى تعانى من مشكلة البطالة، وانخفاض صادراتها، واعتمادها على غيرها فى تلبية احتياجاتها. وتتعدد مصادر التمويل للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ويمكن تصنيف تلك المصادر إلى ثلاثة أنواع أساسية، هى: التمويل الرسمى: وذلك من خلال المؤسسات المالية الرسمية، والتمويل غير الرسمى: وذلك من خلال القنوات التى تعمل فى الغالب خارج إطار النظام القانونى الرسمى فى الدولة، والتمويل شبه الرسمى: وذلك من خلال الاعتماد فى توفير مصادر الأموال على مؤسسات التمويل الرسمية، وفى إقراضها على أساليب غير رسمية، وذلك من خلال عدة برامج أو نظم فرعية. ويعتبر الحصول على التمويل أهم أحد المعوقات التى تواجه تنمية المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ليس فى الدول العربية فحسب، بل فى مختلف أنحاء العالم، ومشاكل التمويل تتعاظم فى الدول العربية؛ نظرًا لطبيعة حال القطاع المالى فيها، والذى يتسم بشىء من الضحالة والقصور، وعدم الانتشار والافتقار للعديد من أدوات وأساليب التمويل المختلفة، فضلا عن قصور القوانين والتشريعات الخاصة بتنمية المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. وترجع إشكالية تمويل المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فى الدول العربية فى الأساس إلى: ضيق نطاق التمويل المتاح، وضعف الاهتمام بدراسات الجدوى، والتركيز على الضمانات، وطول مدة الإجراءات، وافتقار مؤسسات التمويل إلى الخبرات المتعلقة بالمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وسياسة سعر الفائدة، وضعف نظام الرقابة والمتابعة، وافتقار المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة إلى الخبرات اللازمة لنشاطهم. وهذا يبرز أهمية اللجوء للتمويل الإسلامى وتعزيزه داخل مؤسسات التمويل، بالاعتماد على تنمية الموارد الخاصة بمؤسسات تمويل تلك المشروعات، من خلال برامج التمويل المحلية والخارجية، إضافة إلى إصدار صكوك خيرية، وصكوك استثمارية وطرحها للاكتتاب العام، واستخدام حصيلتها فى تمويل تلك المشروعات وتنميتها بصيغ المشاركة والمضاربة والمرابحة والبيع الآجل والسلم والاستصناع والتأجير التمويلى، مع التركيز على تطبيق تلك الأساليب فى الجانب العملى بصورة حقيقية بعيدا عن الصورية. إن من عظمة التمويل الإسلامى امتلاكه من الخصائص والسمات والمزايا ما لا يوجد فى غيره من أنظمة التمويل التقليدى؛ حيث تتنوع أساليب التمويل الإسلامى وتتعدد، فهناك أساليب للتمويل قائمة على التبرعات والبر والإحسان كالقرض الحسن والصدقات التطوعية والزكاة والوقف، وأساليب للتمويل قائمة على المشاركات كالمشاركة المنتهية بالتمليك والمضاربة والمساقاة والمزارعة والمغارسة، وأساليب تمويل أخرى قائمة على الائتمان التجارى، كالبيع الآجل وبيع السلم وبيع الاستصناع والتأجير التشغيلى والتأجير التمويلى، وكل هذا يتيح فرصا ومجالات أكثر لتمويل المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. كما أن أساليب التمويل الإسلامى تقوم على أساس دراسات الجدوى من الناحية الاقتصادية، وعلى أساس الحلال من الناحية الشرعية، وهذا يعنى أن المشروعات عند دراستها تخضع للأولويات الإسلامية من ضروريات وحاجيات وتحسينات، مما يحقق تخصيصا أمثل للموارد، ويحقق ما تصبو إليه البلاد العربية من تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة. وأساليب التمويل الإسلامى ليست نقيضا للضمانات، فهى لا تحول بين مؤسسات التمويل وأخذ الضمانات الكافية التى تؤمن أموالها. كما أنها تنقل التمويل من أسلوب الضمان والعائد الثابت إلى أسلوب المخاطرة والمشاركة، والغنم بالغرم، فلا مجال هنا لاستفادة طرف على حساب آخر كما فى التمويل التقليدى، وهى بذلك تحقق معيار العدل فى المعاملات. فسعر الفائدة كثمن للإقراض والاقتراض هو ربا محرم شرعا، فضلا عن أنه عملية دخيلة على النظام البشرى، تضخم معها النشاط التمويلى بما فيه من أمراض التضخم والمقامرة، وانكمش فيه النشاط الإنتاجى بما فيه من تنمية ووفرة، وهذا بعكس أساليب التمويل الإسلامية التى تغلب النشاط الإنتاجى على النشاط المالى. إن مؤسسات تمويل المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة حينما تتحول من الأسلوب الربوى إلى الأسلوب الإسلامى فإنها تقيم تنظيما جديدا فنيا وإداريا؛ حيث يتحول اهتمامها من إدارة الإقراض إلى إدارة الاستثمار، ومن التركيز على الضمان إلى التركيز على الجدوى الاقتصادية، ومن اشتقاق الائتمان للحصول على فائدة إلى تحفيز الادخار والاستثمار، ومن دور المرابى إلى دور المستثمر والمستشار الاقتصادى، الذى يلتحم مع المشروع ويقدم له المشورة، بما يكون لها من مراكز أبحاث اقتصادية، ومعرفة بأحوال السوق، وبتوفر كم كاف من المعلومات عن حركة الاستثمار، وهو ما يصب فى نهاية المطاف فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.