منذ عهد الحروب الصليبية، سادت العلاقة بين الشرق الإسلامى والغرب المسيحى صفحات صراع ومواجهة لا تنتهى، ورسختها أفكار ونظريات ومقولات أطلقها مفكرون وسياسيون ورجال دين على كلا الجانبين، كلها رفعت ورسخت شعار المفكر الإنجليزى "جوزيف كبلنج": إن الشرق شرق، والغرب غرب، وهما ثقافتان ومفاهيم لن يلتقيا، وما يرتبط بذلك المفهوم العدائى التحريضى من محفزات موروثة ومثيرات معاصرة لهذا الصراع التاريخى زادت من حدته، وفاقمت من خطورته. وصعود الإسلاميين للسلطة فى أكثر من دولة عربية، بعد ثورات الربيع العربى، ومشاركتهم الفاعلة فى السلطة فى دول أخرى، والتوقعات باستمرار هذا الصعود وانتشاره فى دول عربية وإسلامية أخرى، وفقا لنظرية الأوانى المستطرقة، هذا الصعود يثير الكثير من التوقعات يصاحبها بعض التوجسات حول المنهج الذى سيتبعه أو يتعين على منظرى التيار الإسلامى وسياسييه اتباعه فى التعامل مع الغرب، لا سيما ونحن نعيش فى عالم أصبح فيه التداخل فى مصالحه متجذرا، وأضحى التشابك فى علاقاته عميقا، بفضل تسارع وتيرة وسائل الاتصالات والمعلومات وعولمة الاقتصاد، وهو الأمر الذى يطرح العديد من علامات الاستفهام حول بعض مناطق التماس فى العلاقة مع الغرب: 1- إذا كانت لدى الغرب مفاهيم وأحكام مسبقة حول فكرة التحدى والصراع والبحث عن عدو، وما ارتبط بها من استعمار واستشراق، وما لحقها من ترويج لأفكار حول تصادم الحضارات والثقافات ونهاية التاريخ وانتصار الحضارة الغربية، فنحن أيضا وجانب من الإسلاميين فى صدارة المشهد أسهموا فى هذا التصعيد، من خلال استدعاء وترويج مفاهيم ملتبسة من أعماق التاريخ الصراعى حول "دار الإسلام" و"دار الحرب" و"الجهاد"، وتجاهل فقه الواقع وفقه الزمان والمكان وفقه المقاصد والغايات، ومسئولية التيار الإسلامى (الحاكم) أن يبدد هذه المخاوف والمفاهيم، ليعلى من شأن وسطية الإسلام التى تحض على السلام والتعايش الإنسانى مع الآخر الدينى فى الوطن وفى كل أنحاء العالم، ونبذ ودحض أفكار التشنج والعصبية والإقصاء والاستئصال والعداء بسبب الخلاف الدينى أو المذهبى. 2- موقع الإسلاميين فى السلطة يقتضى منهم إعادة النظر فى أساليب صياغة علاقاتهم الدولية، وفى ظل نظام دولى نصنف فيه باعتبارنا "عالما ثالثا"، يتعين عليهم بذل جهود واسعة لتفنيد تلك المفاهيم التى يتبناها آخرون ممن يستظلون بتفسيرات متشددة للفكرة الإسلامية، وتبديد ما قد تبثه تلك المفاهيم الشاذة من توقعات دولية فى ظل وصولهم للحكم. 3- بقدر ما أن بعض الإسلاميين كانوا جزءا من مشكلة تأجيج الصراع مع الغرب، فإن الفئة المعتدلة منهم التى تتولى مقاليد السلطة حاليا فى بعض الدول، هى نفسها التى يمكن أن تنجح فى التخفيف من حدة هذا العداء والصراع، من خلال التأسيس لعلاقات إيجابية تقوم على إعلاء قيمة الحوار والمصلحة والندية كذلك، وتجاوز أحقاد الماضى، واعتماد مبدأ التعاون فى المتفق عليه والتنافس فى المختلف حوله دون صدام أو صراع مهلك. 4- يتعين على الإسلاميين وهم فى موقع السلطة واتخاذ القرار، اتخاذ خطوات عملية نحو تشكيل لوبى عربى إسلامى فى المجتمعات الغربية، وتقديم كافة أوجه الدعم الاقتصادى والدبلوماسى والثقافى لمنظماته وآلياته وبرامجه، ليس من منطلق التصادم مع الغرب، بل من منطلق تحقيق معادلة اندماج الجاليات العربية والإسلامية فى تلك المجتمعات، مع الاحتفاظ بخصوصيتهم الحضارية والدينية، لكن دون تشدد أو تنطع، وتحسين صورتنا المشوهة وخدمة قضايانا العادلة.