لم نفاجأ بأكاذيب بيع قناة السويس والأهرامات ومبنى ماسبيرو ومياه النيل وأرض سيناء والتنازل عن حلايب وشلاتين، كما لم نفاجأ بالأخبار المفبركة عن جماعات الأمر بالمعروف التى تطارد النساء فى الميادين والشوارع والأسواق، وتمزق ملابس غير المحجبات، ولا الأخبار المزيفة والملفقة عن الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والمشايخ والعلماء ورموز العمل الوطنى، فقد مللنا هذه الأكاذيب بعد أن اتضح للشعب المصرى كله أنها ترهات وأخبار مفبركة، من نسج خيال من سوقوا لها، فلا قناة السويس ولا الأهرام تم بيعهما، ولا شاهدنا جماعات للأمر بالمعروف، ولا أرض سيناء يستطيع كائن من كان أن يتنازل عن ذرة من رمالها، ولا أُعلنت "الدولة الدينية" التى خوفوا المصريين بها وجعلوها فزاعة للغرب . ومع ذلك ما زالت ماكينة الأكاذيب تنتج كل يوم، بل على مدار الساعة الأخبار المزيفة والملفقة التى تروج وتسوق على أوسع نطاق ممكن، فى محاولة لتزييف الواقع، وتشويه الصورة وتضليل الناس، ونسى القائمون على مصانع وماكينات إنتاج الأكاذيب أن الشعب المصرى أذكى من كل هؤلاء جميعا، ويعرف كيف يفرز الصالح من الطالح، والطيب من الفاسد، ولن تنطلى عليه الأسطوانات المشروخة التى تزن على الدماغ صباح مساء عبر قنوات مشبوهة، وبرامج مدفوعة مسبقا، وإعلاميين يتقاضون مرتبات خيالية لأداء وإنجاز هذه المهمة، ومعدى ومقدمى البرامج الذين حشدوا من أجل لهذا الغرض، وشركات ومؤسسات تجارية وصناعية وعقارية تمول هذه القنوات وترعى هذه البرامج، وساعات بث 24 ساعة، لأن المصريين يعيشون الواقع ويرون ما يجرى على الأرض، ولم يروا أثرا لأى كذبة من هذه الأكاذيب على أرض الواقع . ولكن من الواضح أن صناع الأكاذيب ومنتجيها لم ولن ييأسوا، وأنهم مستمرون فى غيهم وتزييفهم، حتى وصل بهم الأمر إلى درجة من درجات الجنون فى اختلاق الأكاذيب والأباطيل، وأن "الصناديق السوداء" التى هدد بفتحها اللواء عمر سليمان -رئيس جهاز الاستخبارات فى زمن المخلوع- وملفات جهاز أمن الدولة البائد، بدأت تطل برأسها عبر قنوات وصحف معينة، وإعلاميين عرفوا بتسويق هذه المسرحيات الهزلية المفبركة منذ عهد المخلوع، أطلوا الآن علينا بالحبكات والقصص الوهمية نفسها التى لا توجد إلا فى خيالاتهم وعقولهم المريضة، والتى لا يقولها طفل صغير، نا هيك عن عقلاء المفترض أن تخاطبهم هذه القنوات والصحف . وخلال الأيام القليلة الماضية وجدنا "بعضا" من هذه المسرحيات الهزلية على طريقة "مباحث أمن دولة العادلى" و"إعلام صفوت الشريف" منها ما بث من تسجيلات لمكالمات بين شخصيات قيادية إخوانية ومسئولين بحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، قبل ثورة 25 يناير، ولا نعرف ما القضية فى اتصالات بين "الإخوان" و"حماس"، فى عهد المخلوع أو فى عهد الثورة ولا فى أى عهد؟ وما المشكلة فى هذه المكالمات؟ ولكن المصيبة والكارثة والجريمة الثابتة بأركانها من الذى كان يتجسس على المكالمات، ويسجل كل شىء، ويحتفظ بهذه المكالمات ويخرجها الآن أو غدا، وفى أى دولة كنا نعيش؟ ومن الذى سمح بتسجيل مكالمات المصريين؟ إن هذا كله يدل دلالة واضحة على الدولة البوليسية التى كانت تحكم مصر خلال ثلاثين عاما، والتى لم تراع حرمة لإنسان، ولا خصوصية لمصرى، وأن "كل شىء مسجل"، وهذا يرجعنا إلى العهد الناصرى البائد الذى كان يعد على المصريين أنفاسهم، وحوَّل الزوجة إلى جاسوسة على زوجها، والابن على أبيه وأمه وأخيه وزملائه وجيرانه . والذى يثير الريبة والشك، ويطرح تساؤلات واستفسارات عديدة: أن هذه التسجيلات الساذجة والمريبة التى بثت فى فضائيات ونشرت فى صحف معروف تمويلها ودعمها، ومن يقف خلفها وتوجهاتها، والإعلاميون العاملون بها، جاءت بعد الحوار الذى أجراه أحد القائمين على برامج "التوك شو" مع شخصية أمنية خليجية مثيرة للجدل، ومعروف عنه حقده وكره وضغينته لثورة 25 يناير العظيمة، وبدء مرحلة جديدة فى تاريخ مصر، وانتخاب أول رئيس مصرى مدنى فى أنزه انتخابات عرفتها مصر عبر تاريخها، وما تفوه به الرجل من أكاذيب وترهات وأحقاد وإهانات وتشكيك فى الثورة والثوار، وما روجه من أوهام لا توجد إلا فى عقله المريض، وللأسف لم يذب المحاور والإعلامى المصرى عن وطنه وثورة مصر العظيمة، واكتفى بعبارات "سيادتك" و"حضرتك" و"فخامتك" وكأنه وجه إلى إجراء هذا الحوار، وأجبر بعدم الرد أو حتى المقاطعة أو الإنكار على هذا المدعى، والرد عليه، والعجب أشد العجب أننى لم أسمع صوتا ينكر ما قاله "عسكرى الأمن" الخليجى عن مصر وثورتها، وكأن الأمر يخرج عن نطاق نقابة الصحفيين بمجلسها ونقيب الفصيل الواحد، ولو كان أحد من الإسلاميين فى دولة عربية أو خليجية نطق بحرف واحد مما قاله هذا "الخلفان" لقامت قيامة إعلام الناصريين والفلول والشيوعيين، واتهموه بكل نقيصة، ولطالبوا بإعدامه فى ميدان عام، وتجريد الإعلامى الذى أجرى معه الحوار من جنسيته، وعضوية نقابة الصحفيين . وأيضا جاءت هذه التسريبات بعد الحوار الذى أجراه "صحفى" و"سياسى" معروف تلونه "حسب الزمان والمكان" مع الهارب الخاسر المطارد قضائيا أحمد شفيق، وما ورد فيه من أكاذيب وترهات وقصص وهمية من شخص فقد ظله وعقله وأخذ يهذى بكلمات لا يفهمها، وتدل على التناقضات التى يعيشها قائلها، وحالة الهذيان التى أصابته بعد أن مكث فى عمرته قرابة التسعة شهور، لتسجل أطول عمرة فى تاريخ الإسلام إلى بلد لا عمرة فيها ولا حج ولا زيارة، بل "هناك أشياء أخرى" باتت معروفة للجميع. فشفيق وخلفان فى حواريهما توعدا وهددا، ولم يخفيا نواياهما السيئة، ولا كراهيتهما وعدائهما للنظام الديمقراطى والقوى السياسية التى جاء بها الشعب المصرى عبر صناديق الانتخابات، ومن ثم فإن هناك علاقة وثيقة ولازمة بين ما يبث الآن وسيبث غدا أو بعد غد من قضايا وقصص وهمية وملفات من "صنع شفيق وخلفان"، ومن إنتاج وإخراج بقايا نظام أمن الدولة البائد الذين هربوا إلى منفاهم المفضل والاختيارى، أو من لا يزالون مستمرين فى أعمالهم . ولذلك فإن التسجيلات التى بثت، أو القصة الوهمية التى روجت لها صحيفة صفراء فاقع لونها عن اقتحام السجون واتهام رموز وطنية مصرية بارزة هى بداية لمسلسل من هذه القصص الكاذبة والوهمية، التى لا بد من ردع من يقومون بتسويقها بالقانون وتقديمهم للتحقيق؛ ليعرف المصريون ماذا يحاك بهم من مؤامرات ومن يقف خلف هؤلاء الكذبة والمضللين .