لقد انتشرت الشركات التجارية والصناعية والخدمية التى تطبق نظام التسويق الشبكى لتسويق منتجاتها وخدماتها، والذى يقوم بصفة أساسية على حافز العمولات التراكمية بتكرار صفقات البيع، وأصبح الحافز للوسطاء والسماسرة فى التسويق ليس السلعة أو الخدمة المعروضة للبيع، ولكن العمولة أو السمسرة التى سوف يحصلون عليها بسبب تصاعد عمليات التسويق على الرغم من أن السلعة أو الخدمة قد يكون لها منافع. ولقد هرع العديد من الشباب ولا سيما من العاطلين أو ممن يريدون تحسين دخولهم إلى التعامل بنظام التسويق الشبكى بهدف الحصول على مكاسب، وظهرت شبهات الغرر والجهالة والتضليل والافتراء على بعض الفقهاء دون دليل موثوق به أنهم أجازوا مثل هذه المعاملات وهم برءاء من ذلك. ولقد تشكك فريق من هؤلاء الشباب فى شرعية معاملات التسويق الشبكى ولو اختلفت الأسماء والشركات التى تطبقه، ولجأ بعضهم لأئمة المساجد والوعاظ والدعاة وإلى دار الإفتاء وغير ذلك للسؤال عن شرعية العمولة التى يحصلون عليها من التسويق الشبكى كمهنة؟ وتعددت الإجابات على النحو التالى: - شرعية العمولة والسمسرة فى الوساطة بين البائع والمشترى. - شرعية العمولة والسمسرة لأن الأصل فى المعاملات الحل. - شرعية العمولة والسمسرة وفقا للضوابط الشرعية، ومنها أن تكون المعاملات خالية من الغرر والجهالة والتدليس والميسر والربا والغش والكتمان ونحو ذلك. - شرعية التسويق الشبكى إذا كانت عقود البيع والشراء مستوفية للأركان الشرعية للعقود. ومن الفقهاء من قال بحرمة التسويق لأنه يتضمن: غررا وتدليسا ومخالفة المقصد عن الفعل وفيه شبهات اليانصيب، واستندوا فى ذلك إلى أدلة من مصادر الشريعة الإسلامية. ولقد تناول فريق من العلماء والفقهاء الذين يجمعون بين فقه المعاملات التجارية والجوانب الفنية للتسويق مسألة التسويق الشبكى وكان لهم آراء وفتاوى أخرى. ودفع الاختلاف فى الإجابات العديد من الشباب إلى البحث عن الرأى الفقهى الذى ليس فيه شبهات الحرام ليتبعه، بصرف النظر عن ضغوط الحاجات الضرورية للمعيشة التى يتعرضون لها. وتختص هذه المقالة المتخصصة بدراسة وتحليل وتقييم نظام التسويق الشبكى فى ضوء القواعد الفقهية الواردة فى كتب أصول الفقه وفى ضوء الواقع حتى يتبين الحلال من الحرام. أولاً: حكم التسويق الشبكى فى ضوء القاعدة الشرعية: "إنما الأعمال بالنيات" إذا كانت النية الصادقة والخالصة من شراء السلعة أو الخدمة هى الانتفاع بها بصرف النظر عن الحوافز والمكافات والعمولات التى سوف تُجنى فى المستقبل، حينئذ تطابقت النية مع الفعل وتصبح العملية مباحة. ولكن الواقع العملى عند معظم من يتعاملون بنظام التسويق الشبكى أن النية والحافز والباعث والواقع هى العمولة والمكافآت والحوافز التى سوف تأتى عندما يحفزون غيرهم بالشراء، وبذلك اختلفت النية عن الفعل، وهذا يخالف مضمون وروح ومقصود القاعدة الشرعية السابقة، ولقد قال الفقهاء: "إنما الأمور بمقاصدها"، وقالوا كذلك: "العبرة بالمعانى والمقاصد وليس بالأسماء والمبانى". ثانيا: حكم التسويق الشبكى فى ضوء القاعدة الشرعية: "الغرر الجسيم يفسد المعاملة" يقصد بالغرر هو استخدام كافة السبل والوسائل الخادعة لإغراء المشترى على القيام بالشراء؛ وذلك بالتركيز على المزايا المتوقعة، وأحيانا يقوم الوسيط بالمغالاة فى هذه المزايا، بل أحيانا يستخدم أساليب غير مشروعة، ولذلك حرمته الشريعة الإسلامية لأنه يقود إلى الغبن والظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وقال الفقهاء: "الغرر الجسيم يفسد العقود". والواقع العملى فى مجال التسويق الشبكى أن الوسطاء يستخدمون وسائل وأساليب خادعة ومغرية لتحفيز المتعامل على الإقدام على شراء السلعة والخدمة.. ومن ذلك على سبيل المثال: المكافآت والحوافز والعمولات التى سوف يجنيها المشترى لو استطاع تسويق السلعة أو الخدمة للغير، وهذا يدخل فى نطاق الغرر الجسيم المحرم شرعا. ثالثا: حكم التسويق الشبكى فى ضوء القاعدة الشرعية: "التحايل على الحرام حرام" أحيانا تستخدم وسائل مباحة للتحايل على شرع الله، مثال ذلك صيغة بيع العينة للتحايل على الربا، وصيغة المحلل وهو الزواج الوهمى ثم الطلاق حتى تعود المرأة لزوجها القديم، وهذا ما يطلق عليه أحيانا: "كلمة حق يراد بها باطل". والواقع العملى فى مجال التسويق الشبكى أن الوسطاء يقولون إن الإسلام أحل البيع وأحل العمولة والسمسرة، ولذلك لا توجد شبهات الحرام، ولكن يتجاهلون أن هذا البيع وهذه السمسرة بها مخالفات شرعية مثل السابق الإشارة إليها، منها على سبيل المثال: (مخالفة الأفعال للنيات، والغرر الجسيم، والتدليس المفضى إلى نزاع)، كما أن الفقهاء يؤكدون على قاعدة شرعية أخرى هى: "العبرة بالمقاصد والمعانى وليس بالألفاظ والمبانى". رابعا: حكم التسويق الشبكى فى ضوء القاعدة الشرعية: "الجهالة المفضية إلى نزاع تفسد العقود" تقوم المعاملات فى الإسلام على المصداقية والتبيان والشفافية والتراضى، ولقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك فقال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك فى بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما". والواقع فى التسويق الشبكى أن هناك جهالة بمعرفة المبيعات المتوقعة فى المستقبل لجنى الحوافز والمكافآت، وأحيانا يحدث نزاع بين السمسار والمشترى حول مصداقية المعلومات والبيانات.. وأحيانا يفشل المشترى فى تسويق السلعة أو الخدمة للغير وكان ذلك هو مقصده الأساسى من عملية الشراء.. وهذا كله يسبب خلافات بين أطراف عملية التسويق الشبكى، يضاف إلى ذلك أنه أحيانا تقوم شركة التسويق الشبكى بالتصفية والهروب ونكوث عهودها، وهذا حدث كثيرا. خامسا: حكم التسويق الشبكى فى ضوء القاعدة الشرعية: "الضرورات تبيح المحظورات" يبرر فريق من المتعاملين بالتسويق الشبكى أنه مضطر للعمل بهذا النظام بسبب ضغوط المعيشة والبطالة، كما أن القضية موضع خلاف بين الفقهاء إلى غير ذلك من المبررات تحت مظلة الضرورة. وهذا يوجب بيان الضوابط الشرعية للضرورة التى تجيز التعامل فى مجال (على أضعف الإيمان) فيه شبهات الحرام. لقد وضع الفقهاء ضوابط للضرورة تتلخص فى الآتى: (1)- يشترط أن تكون الضرورة ملجئة؛ بحيث يجد الفاعل نفسه أو غيره فى حالة يخشى منها التلف على النفس أو الأعضاء، وقد ترقى الحاجة إلى منزلة الضرورة التى أدت إلى مشقة لا تحتمل طويلا. (2)- يشترط أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فليس للجائع أن يأكل الميتة قبل أن يجوع جوعا شديدا يخشى منه على نفسه. (3)- ألاّ يكون لدفع الضرر وسيلة إلاّ ارتكاب هذا الأمر، فلو أمكن دفع الضرورة بفعل مباح، امتنع دفعها بفعل محرم، فالجائع الذى يستطيع شراء الطعام ليس له أن يحتج بحالة الضرورة إذا سرق طعاما. (4)- أن يدفع الضرورة بالقدر الكافى اللازم لدفعها؛ فليس للجائع أن يأخذ من طعام غيره إلاّ أن يرده. ويقول الفقهاء: كل إنسان أعلم بضرورته، وكل ضرورة تقاس بقدرها، ولا تنزه ولا ترفه فى الضرورة، ولا تحايل على شرع الله، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ونرى أن المتعاملين فى التسويق الشبكى لا تتوافر فيهم شروط الضرورة السابقة، وهناك مجالات عمل أخرى نافعة للشاب وللوطن. سادسا: حكم التسويق الشبكى فى ضوء القاعدة الشرعية: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" يلتزم المسلم فى كافة معاملاته بتجنب مواطن الشبهات؛ وذلك للمحافظة على دينه وعرضه وماله، وأصل ذلك حديث رسول -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الحلال بَيَّن، وإنما الحرام بَيَّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، وأن حمى الله محارمه، ألا وإن فى الجسد مضغة إذا فسدت فسد الجسد كله، وإذا صلحت صلح الجسد كله، ألا وهى القلب" (مسلم)، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (رواه الترمذى). والواقع العملى أن فى التسويق الشبكى العديد من الشبهات، منها ما ذكر من قبل، وطبقا للقاعدة الشرعية السابقة وأوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجب تجنبه، ويؤكد الفقهاء على ذلك بقولهم: "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع". تحليل وتقييم وخلاصة الرأى فى حرمة التسويق الشبكى يقوم التسويق الشبكى على استخدام سبل ووسائل وطرق لتحفيز المتعاملين على الإقدام على شراء السلعة أو الخدمة طمعا فى المكافآت والحوافز والعمولات التى سوف يحصلون عليها عندما يفلحون فى تحفيز الآخرين على الشراء، وبذلك تختلف الأفعال عن المقاصد، ويكتنف ذلك: الجهالة والغرر والتدليس والتحايل على شرع الله مما يفضى إلى كثير من المنازعات. ووفقا للضوابط الشرعية لعقود البيع والسمسرة، ومنها المشروعية والطيبات والمصداقية والتبيان والشفافية والمنافع المعتبرة شرعا، وتجنب الغرر والجهالة والتدليس والكذب والغش والميسر والاحتكار والربا وكل صور أكل أموال الناس بالباطل، فإننا نخلص إلى أن الواقع العملى للتسويق الشبكى يكتنفه العديد من الشبهات المنهى عنها شرعا والمبينة تفصيلا فى متن هذه المقالة، لذلك يجب تجنبه امتثالا لهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وقوله: "الإثم ما حاك فى الصدر وخشيت أن يطلع عليه الناس"، وخصوصا أنه لم تغلق أبواب الكسب الحلال الطيب، فليس هناك ضرورة معتبرة شرعا بالتعامل بنظام به شبهات الحرام. ويحب المسلم أن يوقن بأن البركة فى الرزق الحلال الطيب الذى اكتسب وفقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية مصداقا لقول الله تبارك وتعالى: "وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا" (الجن: 16).