اعتادت الكثرة من أمهاتنا الطيبات أن تشترى جهاز ابنتها منذ أن علمت بكونها أنثى، على اعتبار أن الأشياء يتضاعف سعرها، وحتى عندما يحين موعد زفافها يكون معظم ما تحتاجه البنت فى بيتها موجود، ولكنهن قد لا يدركن أن الجيل يتغير والأذواق تتبدل والاختيارات تختلف من شخص لآخر، لذا فإن معظم البنات اللائى اشترت لهن أمهاتهن أشياء كثيرة فى جهازهن قد لا يستعملنه، فضلا عن تطلعهن لشراء الأحدث والأجمل، الذى يناسب أذواقهن وعصرهن بعد الزواج. ذوق ماما تقول عالية -22 سنة-: "تحرص أمى منذ مولدى كما أخبرتنى أن تشترى لى كل حاجاتى تقريبا، ولم تكن تأخذ رأيى فى أحيان كثيرة، ولأنى ابنتها الوحيدة كانت تتمنى أن تحضر لى كل ما يعجبها، ولذا فقد دأبت منذ نعومة أظفارى على تجهيزى كما تقول، فتجلب لى كل فترة شيئا من أدوات المطبخ أو ملابس للبيت أو حتى بعض الأجهزة الكهربائية والتحف، وقد خصصت أمى حجرة كاملة فى بيتنا حتى تخزن فيها كل تلك الأشياء، ولكنى أحزن عندما أنظر إليها وهى مكدسة فوق بعضها، وأظن أننى لن أستخدم ربعها عندما أتزوج لأن معظمها لا يناسب ذوقى". أما مريم -27 سنة- فقد تزوجت منذ 3 سنوات بالجهاز الذى خزنته لها أمها، ولكنها الآن تفكر فى تجديد كل أدوات المطبخ كأوانى الطهى والأطباق وكذلك أطقم السفرة، ومفارش السرير، وقماش التنجيد، خاصة بعدما ظهرت موديلات جديدة ورائعة، وتناسب المنزل العصرى أكثر من حاجاتها القديمة. الجهاز للبنات والأولاد! بينما ترى أم زينب، أن تفكيرها فى تجهيز ابنتها ذات العشرين عاما قبل سنوات من زواجها لا توجد فيه مشكلة لأن الأسعار تزيد بشكل مستمر، ولا بأس من شراء بعض الأشياء التى تفيد ابنتها فى بيتها، ولكنها تحرص على أن تختار ابنتها بنفسها ما تريد حتى لا ترميه أو تركنه بعد ذلك. وإن كانت البنات تحظى بنسبة أكبر من تفكير الأمهات فى تجهيزهن إلا أن أم عامر رزقت بولدين، فكانت تشترى لابنها المقبل على الزواج بعض الملابس وأدوات المطبخ والنجف وغيرها، ولكنه بعدما تزوج وأصبح أبا لطفلين كان يضحك كلما زار أمه ورأى تلك الأشياء مرصوصة كما هى فى غرفته، حيث لم يأخذ منها شيئا فى بيته الجديد الذى جهزه على ذوقه هو وزوجته. لا تقهرى ابنتك تؤكد منال خضر -متخصصة فى الإرشاد الأسرى- أن الأم التى تفرض ذوقها ووجهة نظرها بالقوة على ابنتها تقهرها، لأن بيتها الجديد بعد الزواج يجب أن يتمتع بالراحة والجمال، وإن لم تختر البنت كل جزء فيه فهذا من شأنه أن يقلل من سعادتها وراحتها فى بيتها الجديد. وتضيف خضر: "كما أن فرض الأم لذوقها فى شراء حاجات ابنتها وعدم تلبية طلباتها فى جلب ما تريده وتفضله يعد ديكتاتورية من تلك الأم، لمجرد فقط أن تجهز ابنتها كما تجهزت هى منذ 20 عاما، ويدل هذا أيضا على عدم تقدير بعض الأمهات لميول وأذواق بناتهن، وعدم احترام حاجاتهن ورؤيتهن الشخصية". وتشير خضر إلى أن من الأسس التربوية السليمة ألا نقهر الطفل الصغير، فمنذ مولده يحاول أن يكون له شخصية مستقلة، فيكتشف بمساعدة أسرته الحياة والأشخاص من حوله، وعندما يبلغ من العمر عدة سنوات يرفض أن تساعده أمه فى ارتداء ملابسه أو اختيار ألوانها، لأنه يريد أن تكون له رؤيته الخاصة واختياراته الشخصية، فما بالنا بالفتاة المقبلة على الزواج التى وصلت إلى سن النضوج العقلى بما يكفى ليكون لديها من الذوق والرؤية الخاصة والتفكير المستقبلى والاطلاع على الأحدث باستمرار، ما يجعلها تختار ما يناسب بيتها ويجعل الجميع يشهد لها بحسن الاختيار ومجاراة العصر. وتوضح "خضر" أن حرص الأمهات على التدخل الزائد فى اختيار حاجات أبنائهن منذ الصغر يؤثر سلبا على حياتهم المستقبلية، فهو يلغى شخصيتهم وقدرتهم على الاختيار واتخاذ القرار المناسب، ويتسبب أيضا فى القضاء على الذوق الجمالى للجيل الجديد، لأنه ينقل ذوق أمهات الجيل الماضى الذى كان يناسبهن إلى الجيل الحالى الذى لا يناسبهم بالضرورة، فتظل الأذواق القديمة ممتدة مما يطمس الإبداع ويعوق لمسة الجمال والابتكار والتجديد فى الجيل الجديد. الثقة بالنفس وتكمل خضر أن تدريب الأبناء الذكور والإناث منذ الصغر على الاختيار يضيف إليهم أشياء كثيرة إيجابية، فقد يختار الابن الاختيار الصحيح مرة ويخطئ فى أخرى، ولكن هذا يزيد لديهم الثقة بالنفس، والشخصية المستقلة والتفكير الجمالى والإبداعى، وعلى الأم ألا تعلق بالسلب على اختيارات أبنائها إن لم تكن مناسبة، ولكن تنصح بالود والحب والرفق، حتى يعدل الأبناء تدريجيا من اختياراتهم وتكسبهم قوة الشخصية وحسن الاختيار والاعتماد على النفس، ومن ثَم فإن الأم التى وصل أبناؤها إلى مرحلة الشباب عليها أن تدرك أن لهم وجهة نظرهم ورؤيتهم الخاصة، التى يجب أن تحترمها وتقدرها وقد تتدخل الأم بالنصح فقط. زمانهم غير زماننا وتنصح خضر الأمهات بما يلى حتى يسعدن بناتهن المقبلات على الزواج: - أبناؤنا أمانة عندنا ولكنهم خلقوا لزمان غير زماننا. - مشاركة الأم لابنتها فى الاختيار قبل زواجها بفترة مناسبة كأن تبدأ بعد الخطوبة مثلا وبما يناسب روح العصر وما يناسب ذوق البنت ورغباتها، حتى تكون راضية عن بيتها الجديد وتشعر فيه بالراحة والسعادة. - ادخار المبلغ الذى ترغب فى تجهيز ابنتها به وتحتفظ به فى وديعة أو قيمة ذهبية. - شراء وتخزين الأشياء الضرورية وغير المهمة للبنت قبل الزواج بسنوات طويلة قد يعد إسرافا غير مقبول، خاصة إذا لم تستفد الفتاة بعد الزواج من تلك الأشياء. - من المهم المصارحة والمكاشفة والحوار المستمر بين الأم وابنتها، فيما يختص بقدرة الأهل المالية فى تجهيزها، حتى تختار ما يناسب ذوقها، وفى حدود المبلغ المتاح. - لا تساومى ابنتك فى شراء ما تريده، عندما ترضخ لشراء ما تريدين أنت أولا، فهذا سيكون بيتها وهى من ستعيش فيه، وكونى لها صديقة ناصحة ومخلصة، قبل أن تكونى أما ترغبين فى تنفيذها أوامرك فقط. - تدريب الأبناء منذ الصغر على الاقتصاد وحسن إدارة الموارد، والتوسط فى الإنفاق، وتلك ثقافة للأسف غائبة عن بيوتنا، فنحن نسرف فى جلب كل ما يحتاج إليه الأبناء ثم نشتكى من عدم قناعتهم فيما بعد. - تعويد الأبناء على الرضا والقناعة، حتى يستطيعوا فى سن الشباب أن يملكوا زمام أمورهم، ويقوموا شهواتهم المادية، ويصلوا إلى حد الشبع والكفاية، كقول سيدنا عمر بن الخطاب لسيدنا جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عندما اشترى لحما "أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر؟".