وكيل مجلس الشورى: خطة لإعادة هيكلة قطاع الغزل والنسيج رئيس اللجنة النقابية لمصر حلوان: الوقفات الاحتجاجية وسيلة العمال للحصول على الرواتب شهريا رئيس الشركة الأهلية: القطاع يعانى من فساد وإهمال النظام البائد رئيس غرفة الصناعات النسيجية: تهريب البضائع من الخارج يهدد الصناعة الوطنية محمود الغمري: "المخلوع" استخدم الخصخصة والمعاش المبكر لتصفية الصناعة صافيناز صابر صناعة الغزل والنسيج من أقدم الصناعات التى عرفتها مصر فى عشرينيات القرن الماضى وتحديدا فى عام 1927، كما أنها من الصناعات التى تستوعب عمالة كثيفة حيث يعمل بها حوالى 59 ألف عامل، ولكن حاليا غالبية مصانعها متوقفة والمعدات متهالكة والعمالة لا تنتج، حتى المصانع التى تمارس نشاطها لا تعمل بكامل طاقتها فهى تحتاج إلى ضخ استثمارات لشراء المعدات والخامات حتى تقف على قدميها من جديد. وكانت شركات الغزل والنسيج تحقق أرباحا كبيرة ولكن النظام البائد وتحت مسمى الخصخصة باع عددا من الشركات وأدمج البعض الآخر وهو ما أدى إلى خروج العمالة الفنية المدربة فى شكل معاش مبكر فى حين زادت العمالة الإدارية وهذا ما ترتب عليه زيادة فى الأجور ونقص كبير فى الإنتاج، حتى وصل الأمر إلى أن الشركات تحتاج إلى 65 مليون جنيه شهريا لاستكمال الرواتب وهى لا تستطيع أن توفر منها سوى نسبة محدودة. ويوجد 32 شركة غزل ونسيج تابعة للقطاع العام، 20 شركة فقط تمارس نشاطها حاليا، وال12 الباقية والتى لا تعمل إما أنها توقفت مثل شركتى بورسعيد وجوت بلبيس، وإما بيعت لمستثمرين مثل شركتى المنسوجات الحريرية والقاهرة للمنسوجات، وإما أدمجت مع غيرها مثل دمج شركة البيضا للغزل والنسيج مع شركة كفر الدوار، وشركة إسكو مع شركة وولتكس. جولة ميدانية "الحرية والعدالة" قامت بجولة ميدانية داخل شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والملابس باعتبارها من كبرى شركات الغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال العام. الشركة عبارة عن صرح ضخم مساحته 100 فدان يضم 8 مصانع، يعمل منها فى الوقت الحالى 4 مصانع فقط (3 مصانع للنسيج ومصنع للغزل) بطاقة إنتاجية تصل إلى 20% فقط، هذا إلى جانب المعدات المتهالكة التى لم يتم تطويرها منذ الثمانينيات، فضلا عن عدم قدرتها على توفير الأجور للعاملين بها وهو ما يدفعهم لتنظيم العديد من الوقفات الاحتجاجية. حاولنا مقابلة رئيس مجلس إدارة الشركة المهندس محمد محب صلاح الدين للوقوف على أوضاع الشركة لكنه رفض دون إبداء أسباب. والتقينا خلف عبد العال -رئيس اللجنة النقابية للعاملين بالشركة– والذى قال: "إن الشركة يعمل بها حاليا 3 آلاف و70 عاملا بعدما كان يصل العدد إلى 27 ألف عامل، حيث بدأ خروج العمال للمعاش المبكر منذ 1998، وكان يصل عددهم وقتئذ إلى 14 ألف عامل، كما تم وقف التعيينات حتى عادت فى عام 2001 لكنها كانت بعقود ومبالغ زهيدة". ويضيف عبد العال: "حال الضعف الذى عانت منه شركات الغزل والنسيج عانت منه هذه الشركة أيضًا، حيث توقفت تماما فى 1994 لكن الحكومة آنذاك جاءت ببيت خبرة هندى وباستثمار 100 مليون جنيه لإعادة تشغيلها ثانية". وتابع: "كانت هناك منحة من الاتحاد الأوروبى بقيمة 250 مليون يورو لتطوير صناعة الغزل والنسيج وكان يُستقطع منها للشركات لاستكمال الرواتب"، لافتا إلى أن صندوق إعادة هيكلة صناعة الغزل والنسيج قد نفذ رصيده بعد الثورة، وأصبح لا يوجد لدى الشركة رأسمال. وأشار عبد العال إلى أن الشركة تحتاج إلى ضخ نحو 250 مليون جنيه للاستثمار وإعادة تشغيلها بكامل طاقتها وشراء المعدات والخامات، موضحًا أن الشركة غير قادرة على توفير رواتب العمال وتحتاج إلى تدخل من الدولة لاستكمال الرواتب والتى يتم صرفها على دفعتين. ويستطرد رئيس اللجنة النقابية: "أصبح كل هم النقابة توفير الرواتب للعمال، وأرسلنا للشركة القابضة مذكرة تفيد بأن الشركة تحتاج 4 ملايين و100 ألف جنيه للرواتب شهريا"، مشيرًا إلى أنه تم صرف 50% من الرواتب فى عهد حكومة د. كمال الجنزورى لكنه توقف حاليا، مؤكدا أنهم يلجئون للوقفات الاحتجاجية بعدما أصبحت الشركة عاجزة عن توفير الرواتب. مستلزمات ومعدات وعلى بعد أمتار قليلة من شركة مصر حلوان للغزل والنسيج توجد شركة معدات الغزل والنسيج (كُرد حلوان سابقًا) والتى تعد الوحيدة من شركات قطاع الأعمال المختصة فى إنتاج مستلزمات ومعدات الغزل والنسيج وبدونها تضطر للجوء إلى الاستيراد من الخارج. التقينا رئيس مجلس إدارة الشركة المهندس فوزى كامل حسن الذى أوضح أن الشركة ترتبط ارتباطا وثيقا بشركات الغزل والنسيج، حيث إنها متخصصة فى بيع مستلزمات ومعدات الغزل والنسيج، وقد انعكست عليها أوضاع شركات الغزل والنسيج بالتبعية فأصبحت تعمل ب30% فقط من طاقتها، وبمجرد ما تعمل هذه الشركات بكامل طاقتها ستعاود الشركة العمل ثانية. ويضيف حسن: "تمتلك الشركة 4 مصانع وهى الكون الورقى والبوبين ويختص بإنتاج المنتجات الورقية (التى تُلفّ عليها الخيوط)، ومصنع كساوى الكرد معدنى أو ورقى وهو رئيسى يحتاج إلى تكنولوجيا عالية بتكلفة أكثر من 60 مليون جنيه، ومصنع أسطوانات الغزل ينتج حاليا أقل من 200 أسطوانة شهريا بعدما كان ينتج 7 آلاف أسطوانة، ومصنع المنتجات الخشبية (الأنوال المكوكية) ويتم استغلاله فى تصنيع تجهيزات نمطية لهيئة الأبنية التعليمية". ويشير رئيس مجلس إدارة الشركة إلى أن المشكلة تكمن فى احتياج الشركة إلى ضخ استثمارات حتى تتمكن من منافسة القطاع الخاص حيث إنه ليس من صالح شركات القطاع العام أن تغلق هذه الشركة، لافتًا إلى أن الشركة تحتاج إلى حوالى 10.5 ملايين جنيه للاستثمار، مطالبًا بتطبيق قرار مجلس الوزراء بوقف استيراد المنتج الذى له نظير محلى وإلزام شركات الغزل والنسيج بشراء منتجات الشركة. من جانبه، يقول محمد إمام -رئيس اللجنة النقابية للعاملين بالشركة-: إن عدد العمال يصل إلى 350 عاملا فقط من إجمالى 1200 عامل، موضحًا أن الشركة تحتاج إلى فتح باب التعيينات لعمالة جديدة وتحديث المعدات وإعادة هيكلتها، وتوفير وسائل الأمن الصناعى. وأضاف أن العائق الوحيد أمام الشركة هو عدم توافر السيولة، لافتا إلى أنه من الممكن أن يظل العامل 15 يومًا دون عمل وهذا ما يؤثر عليه فى الحوافز، بعدما كانت الشركة تعمل طوال 24 ساعة وب3 ورديات يوميا. بداية الانهيار أوضح المهندس محمود الغمرى -رئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية للغزل والنسيج بالإسكندرية- أن معظم شركات القطاع العام تعانى من مشكلات عديدة، وهى ليست آنية بل تمتد جذورها إلى عهد النظام السابق، فمنذ عام 1995 كان هناك سعى لتصفيتها تحت مسمى الخصخصة والخروج للمعاش المبكر، وهذا ما انعكس على تلك الشركات وجعلها غير متزنة بمعنى أن العمالة الإدارية أصبحت أكثر من العمالة المنتجة، وهو ما أسهم فى زيادة نسبة الأجور مقارنة بالإنتاج، وباتت هناك شركات لا يغطى إجمالى إنتاجها أجور العاملين بها". وأضاف: "منذ قيام الثورة وحتى الآن تضاعفت الأجور فى حين لم يزد الإنتاج بل قد يكون هناك تراجع نتيجة الانفلات الأمنى والإضرابات"، لافتا إلى أن رواتب العاملين بهذه الشركات تصل إلى 150 مليون جنيه شهريا لا توفر منها سوى 85 مليون جنيه وتقترض الباقى لاستكمال المرتبات موضحا أنه مع بداية الموازنة الجديدة سيكون هناك زيادة فى الأجور يترتب عليها تزايد العبء بشكل أكبر على هذه الشركات. وناشد الغمرى الدولة أن توفر رأسمال كافيا من أجل توفير المواد الخام وقطع الغيار وتشغيل الماكينات المتوقفة ومعالجة نقاط الاختناق فى خطوط الإنتاج "أى المتوقفة" حتى تتحسن أوضاع الشركات، مؤكدًا أن التوسع فى شراء الماكينات فى الوضع الحالى لن يؤتى ثماره. مشكلات القطن وأشار رئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية للغزل والنسيج، إلى أنه من أهم المشكلات التى تواجه هذا القطاع أن القطن المصرى المتميز فى خواصه لا يتناسب وسعره المرتفع مع احتياجات مصانع القطاع العام، موضحًا أن غالبية المنتجات المطلوبة فى السوق خيوط سميكة وأقطان رخيصة وليست المنتجات الراقية التى تنتج من القطن طويل التيلة. ويقول الغمرى: "نأمل فى أن يتم زراعة القطن قصير التيلة، فالسوق لن تستوعب المنتجات الراقية، كما يمكن استخدام القطن طويل التيلة فى تصنيع المنتجات الراقية للتصدير"، مشددًا على ضرورة أن تتدخل الدولة فى تنظيم تجارة القطن المصرى، وتحرك شراء محصول القطن حتى تحمى الفلاح وتشجعه على زراعته، ولا تتركه فريسة لممارسات التجار. ويوضح أن احتياجات مصر من القطن كبيرة مقارنة بما يتم زراعته، إذ بلغ إنتاجها العام الماضى 2.2 مليون قنطار، يتم تصدير1.1 مليون قنطار، بينما تحتاج مصانع القطاع الخاص والاستثمارى حوالى مليون قنطار لإنتاج الخيوط الرفيعة، فى حين يصل إجمالى احتياجات القطاع العام نحو 2 مليون قنطار من الأقطان الرخيصة. ويؤكد الغمرى غياب التخطيط؛ حيث تم منع استيراد القطن مع بداية موسم القطن؛ وهذا ما جعل مصانع القطاع العام تستهلك القطن المصرى طويل التيلة ومن ثم إهدار قيمته الغزلية، فى حين أنه من المفترض أن يباع بسعره العادى ويستورد القطن الرخيص للمصانع المنتجة للخيوط السميكة. وتابع: "إن غياب التخطيط تسبب فى مشكلة كبيرة ستعانى منها المصانع حتى نهاية الموسم وهى توفير المواد الخام"، آملًا فى أن يوضع هذا فى الاعتبار فى المواسم المقبلة، ويستطرد قائلا: "أرى أنه يمكن من خلال نظام الصكوك المتوقع أن يتم تطبيقه إنشاء وحدات صناعية جديدة تستثمر فيها الأموال ويتم ربط الأجر بالإنتاج والعمالة المنتجة". الشركة الأهلية وأشار الغمرى إلى أن كل هذه المشكلات تعانى منها جميع شركات قطاع الأعمال دون استثناء ولكن بنسب متفاوتة، مؤكدا أن الشركة الأهلية خضعت كغيرها من الشركات لنظام الخصخصة والتصفية وخروج العمال للمعاش المبكر. ويوضح أن الشركة الأهلية للغزل والنسيج كان بها وحدات تجهيز وتفصيل ونسيج لكنها توقفت جميعها، وتبقى وحدتان فقط يعمل بهما حوالى 800 عامل بأجور شهرية قدرها 2 مليون جنيه، لافتًا إلى أنها تتعرض لخسارة كباقى الشركات. ويضيف: "القطاع الخاص به نماذج ناجحة، وهناك مستثمرون من تركيا وسوريا وباكستان، هذه النماذج تغطى جزءا كبيرا من احتياجات التصدير وهى غالبا ما تكون جزئية أى لا يتم تصنيعها بالكامل"، مشيرا إلى احتياج الصناعة الوطنية لإنشاء وحدات جديدة من خلال الاستفادة من نظام الصكوك. هيكلة القطاع من جانبه، يقول المهندس محمود شحوتة -وكيل لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى- إن اللجنة اجتمعت مع وزير القوى العاملة خالد الأزهرى منذ عدة أيام لوضع هيكلة عامة لقطاع الغزل والنسيج، ودراسة أوضاع الشركات والعمل على النهوض بها. ويضيف: "الشركة القابضة للغزل والنسيج تعد دراسة للرد على المجلس خلال أسبوعين، وقد طالبت لجنة الصناعة بفتح الباب لاستيراد القطن قصير التيلة لحل المشكلة؛ لأن مشكلة قطاع الغزل والنسيج أنه يعمل به نحو 59 ألف عامل، فضلًا عن أن معدات المصانع قديمة وتحتاج إلى تطوير، بالإضافة إلى أنه ما زال إنتاج مصر من القطن متدنيا". وتابع شحوتة: "تقوم مصر بزراعة القطن طويل التيلة، ويبلغ ثمن القنطار 1200 جنيه، فى حين أن قصير التيلة يصل ثمنه إلى 500 جنيه فقط، بخلاف أن القطن طويل التيلة يتناسب مع المنسوجات الرفيعة ولا ينفع استخدامه فى الوبريات. ويؤكد وكيل لجنة الصناعة والطاقة أن اللجنة خرجت بتوصيات أهمها زراعة 100 ألف فدان قطن قصير التيلة بحيث ينتج 1.5 مليون قنطار يمكنها تشغيل المصانع بكل طاقتها، مع الاستمرار فى زراعة القطن طويل التيلة وتصديره للخارج، إلى جانب عمل تدريب تحويلى للعمالة الزائدة، مشيرًا إلى أن مصر تحتاج سنويا 2.5 مليون قنطار لتشغيل المصانع، لافتا إلى أن شركات قطاع الغزل والنسيج كافة تحتاج إلى استثمارات حقيقية لتطويرها، حتى تحقق أرباحا كنظيرتها فى القطاع الخاص. مشكلة التهريب من جانبه، يوضح محمد المرشدى –رئيس غرفة الصناعات النسيجية– أن من أهم مشاكل الغزل والنسيج، تهريب البضائع إلى الأسواق المحلية وتقاعس الدولة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من عملية التهريب. ويقول إن طرق التهريب متنوعة؛ حيث تستغل ثغرات القانون وتدخل البلاد دون سداد الجمارك وضرائب المبيعات، لافتا إلى أن أسعار السلع المهربة تكون أقل من السعر المتاح فى السوق المحلية. ويضيف: "لسنا ضد الاستيراد من الخارج لكننا مع الاستيراد الشرعى الذى يقوم بسداد الجمارك"، مشيرا إلى أن الغرفة تقدمت بمذكرة لرئيس الوزراء ووزيرىْ المالية والصناعة، وتنتظر اتخاذ الإجراء من أجل المساهمة فى رفع القدرة التنافسية للمصانع المحلية لمنافسة السلع الواردة من الخارج. ويتابع قائلا: "التهريب يهدد بوقف الصناعة الوطنية ويؤثر عليها بالسلب، فالمصانع أصبحت غير قادرة على سداد التزاماتها المالية، وهذا يضعف المنافسة ومن ثم تتوقف الصناعة المحلية لصالح المستوردة، مشيرا إلى أن حوالى 50% من الطاقة الإنتاجية لمصانع الغزل والنسيج متوقفة تماما".