إن الأمل يعطى رحلة الحياة طعما جميلا، ففى أثناء هذه الرحلة تحيا بعض أمانينا؛ ويموت بعضها الآخر، وتتحسن بعض ظروفنا، ويسوء بعضها الآخر؛ وتصفو الأيام حينا ويتعكر صفوها أحيانا، فيصير الحلو مرا، والبسمة عبوسا، ثم يعود صفوها لنتذوق معه طعم البسمة الجديدة، ولنفرح بالصفاء حينما يعود؛ فأحوالنا فى الدنيا تتغير كيفما شاء الله، وتسير مراكبنا فيها حسب النسيم أو الريح التى يرسلها الله، ولا يتم ذلك هباء أو خبط عشواء، إنما هى سنن جارية، وقوانين دائمة. إن عدل الله سبحانه وتعالى اقتضى أن تكون بدايات النجاح ومفاتحه ولوازمه كلها فى يد العبد، وأن اتجاه الحركة نحو الخير أو الشر يحدده العبد، وأن جميع البدائل فى الموقف تكون متاحة للعبد، وما لم يكن متاحا منها لا يحاسبه الله عليه، فيكون منشأ الفعل واتجاهه وقوته للعبد، ثم تترتب مشيئة الله على مشيئة العبد، فلتختر أنت ما تشاء، وابدأ أنت كيفما تشاء، واتجه أينما تشاء، واعمل ما تشاء؛ ثم تيقن أن تتدخل مشيئة الله سبحانه فتيسر وتوفق وتعين وتسدد، فالعاقل إذن مَن يحدوه الأمل الجميل، ويقرنه بالعمل النبيل. إن النجاح مزيج من الأمل والعمل، وهو يتطلب أن يحدد المرء غايته ويعرف مقصوده؛ ثم يتحرك حركة معينة، لها وجهة ثابتة، وسرعة محددة، وتكون سرعته نحو النجاح حسب الدافع الذى يدفعه، والأمل الذى يحدوه، والجهد الذى يبذله، فالنجاح ليس نقطة واحدة إن وصل إليها المرء يكون قد حققه، بل هو سلسلة كبيرة من النقاط، يمثل كل منها نجاحا فى ذاته، ثم يؤدى كل منها إلى نجاح آخر، وهكذا ينتقل المرء من نقطة إلى أخرى فى سلسلة النجاح التى ليست لها نهاية، فحينما يظن المرء أنه حقق غايته، أو وصل إلى بُغيته؛ فإنه سيكتشف أن هناك نقاطا أخرى لا بد من الوصول إليها، مما يدفعه إلى مزيد من النجاح والحركة. والنجاح يضيف لحياتك معنى، ويزيدك ثقة فى نفسك، ويمنح أهلك فرحا، ويحبو أحبابك فخرا، ويزيد أبناءك ذخرا، ويكيد أعداءك نحرا، ويرغّم أنف الشيطان، ويدفعك إلى سلك القادة، وإلى صف المؤثرين فى دنيا الناس، ولكن انتبه فلا تنس معينات النجاح؛ فالنجاح وليد الطموح، وقرين الأمل، وابن الثقة فى النفس، وحبيب القوة، ونسيب الإصرار، وصديق التضحية، ونتاج الجهد، وصاحب الأمل، والأمل بدوره هو الشعاع الهادى الذى يقودك إلى النجاح، والصوت الحادى الذى يدفعك إليه، والشعور العادى بأنك قادر عليه، والنور البادى الذى يتيح لك رؤية طريقك إليه. إن شرارة النجاح الأولى تشعلها صدق الرغبة فيه، وقاعدته التى ينطلق منها هى صدق الإرادة إليه، وبيئته التى يكبر ويترعرع فيها هى الثقة بالنفس، وهى لا تتطلب أن تكون دوما على صواب، بل تتطلب أن تكون غير خائف من الخطأ، وموجهاته التى توجهه هى النية والعلم، وأهدافه التى يصبو إليها هى الانتفاع به، والتأثير فى الناس، والغايات التى يرنو إليها هى التقرب إلى الله، وقيادة البشر، والمبادئ التى تحكمه هى دفع الفساد، ونفع العباد. إن كل خطوة تخطوها للأمام ستشعر معها باقتراب النجاح، وكل تفكير فى النجاح خطوة، وكل سؤال لعالم خطوة، وكل استشارة لخبير خطوة، وكل إنجاز لواجب خطوة، وكل فهم لجزئية من جزئيات العلم خطوة، وكل حل لمشكلة خطوة، وكل سيطرة على مشاعرك السلبية خطوة، وكل قضاء على حالة يأس خطوة، وكل تغلب على جرعة خوف خطوة، وكل سيطرة على مسحة حزن خطوة، وكل بُعد عما يدعو إلى الندم خطوة، وكل تَفهم لذاتك خطوة، وكل تعرّف لإمكاناتك خطوة، وكل إسعاد لنفسك خطوة، المهم أن تكون هذه الخطوات كلها مركزة فى اتجاه واحد وليست مبعثرة على اهتمامات كثيرة. فى طريق النجاح فرص وقفزات، فقد تخطو للأمام خطوات كثيرة دفعة واحدة، وذلك حينما تقترب من الله خطوة، أو ترغم الشيطان مرة، أو تسيطر على نفسك فترة، أو تنأى عن شهوة محرمة بإرادة، أو تمتنع عن اقتراف محظور بعزم، أو تقاوم إغراء شهوة بقوة، أو تكبت وسوسة نفس بفكر، أو تمتنع عن أمنية حرام، أو تنته عن نظرة خبيثة، أو تجبر نفسك على المكاره، أو تمنعها الشهوات حتى يسلس لك قيادها، فتقفز إلى النجاح قفزات كبيرة بخطى واسعة. إن طريق النجاح له مراحل، هيا اجتهد وحددها، وله معالم، هيا اجتهد وتعرف عليها، وبه استراحات هيا استفد منها، ولتجلس مع نفسك فى كل استراحة جلسة صدق، تعرّف فيها إلى ذاتك بما لها وما عليها، وواجه نفسك بعيوبها ومسالبها، ولا تقرّها على ما هى عليه، وسيطر عليها تماما حتى لا تحيد بك عن الطريق المستقيم، فلا تتهاون معها فى شىء، وحاسبها على التفكير الخاطئ، وعلى الشعور الزائف، وعلى السلوك المعوج، واجبرها على الخير والحق والصواب، فمحاسبة النفس هى النور الذى يكشف لنا ظلام أنفسنا، ويفضح لنا دواخلنا، ويوضح لنا سرائرنا، ويجلى لنا عيوبنا، فنرى أنفسنا حينئذ على حقيقتها. وفى طريق النجاح عوائق؛ أكبرها معصية الخالق، والمعصية تُغضِبُ الرب، وتُشوّهُ نقاءَ القلب، وتُطفئُ نورَ العقل، وحينما ينطفئ النور الداخلى يسيطر الظلام على حنايا النفس وجنباتها، فيستشعر الإنسان الوحشة، فإذا تمادى فى المعصية فإنه يتعايش مع الظلام، ويستمرئ الكسل، فيبرر لنفسه أفعاله المشينة، ويلتمس لنفسه الأعذار الواهية، فيستر ذلك عنه عيوبه، ويخفى عنه أطماعه، ويزين له شهواته، ويبرر له عثراته، فيكذب ساعتها حتى على نفسه، ولا يرى لذاته غير حسناته، فلما يطول به الأمد ينسى، فإذا نسى خبا أمله، وزاد كسله، وأهمل عمله، فيبدو للناس فشله، وساعتئذٍ سيلوم الجميع إلا نفسه، ولن يعترف أنه هو مَن أطفأ وهج النور الداخلى، فقاده ظلام النفس إلى الفشل الذريع. أما إذا جاهدت نفسك فى طريق النجاح؛ وجالدتها فى سكة الخير والحق والطاعة؛ وأجهدتها فى خدمة الخلق؛ فقد تصبح أنت شعاع النور الكاشف لظلام الأخلاق الدامس، وتصبح أنت ومضة الأمل البراق الذى ينجذب إليه العشاق، ذلك حينما تصير أنت المثال والقدوة، فيقتدى الناس بقولك.. بعلمك.. بسلوكك.. بخلقك.. بسيرتك.. وتصير كلماتك لهم وصايا، وحياتك لهم مرجعا، وأفعالك فيهم نموذجا، وإذا وجد الناس السعادة فى كل لحظة تجمعهم بك؛ فلن يصدقوا ما يقوله عنك المغرضون، ولا ما يشيعه عنك المرجفون، بل سيصدقون الأمل الذى تراه أنت بعينيك، وسينشدون العمل الذى دلّهم عليك، وسيعشقون الفكر الذى تتبناه أنت، وستصبح أنت النور الذى لا يرى الناس الأمل إلا بك، ولا يجالدون الصعاب إلا معك، ولا يرومون النجاح إلا بصحبتك، وهنا تكون أنت قد أصبحت "شَامَةً بَيْنَ الْنَّاسِ"، يقتفون أثرك على طريق الخير والحق والطاعة، فأعطوا الناس من أنفسكم قبسات أمل ونور.