تمر حركة حماس فى هذه الفترة بمرحلة جديدة من تاريخها الربع قرنى بعد أن سطع نجمها فى الفضاء العربى والدولى، بما حققته من نتائج على الأرض وتأثير على الساحة السياسية الفلسطينية منذ الانتفاضة الأولى عام 87، حتى أصبحت الآن اللاعب السياسى الذى لا يمكن تجاوزه، وتجلى ذلك بحجم الاهتمام الدولى والعربى بالانتخابات الداخلية للحركة التى أعادت اختيار خالد مشعل قائدًا لحماس. أمام هذا الاهتمام الدولى والعربى ستواجه حماس تحديات كبيرة فى الحركة الفلسطينية التى تعيش مرحلة الشباب، فى ظل شيخوخة باقى الحركات الفلسطينية الكبرى التى غاب عنها الحاضر والمستقبل ولم يبقَ لها سوى الماضى، مما يضع حماس تحت ضغط المسئولية الوطنية، فهى الآن تنتقل من حركة مشاركة فى المشروع الوطنى إلى حركة رائدة وقائدة للمشروع بعد نجاحها فى تقديم نموذجها المقاوم وفشل نموذج التفاوض. فعلى الصعيد الخارجى الإقليمى والمحيط العربى فالمنطقة تشهد حالة من عدم الاستقرار وتغير المحاور بعد أن كانت المنطقة منقسمة إلى محورين: الاعتدال والممانعة، أما الآن فالصورة اختلفت، فمحور الاعتدال تهاوى أمام الثورات العربية، ومحور الممانعة أظهر عيبه فى دعمه للنظام السورى ضد الثورة الشعبية، فحماس كانت محسوبة على هذا المحور ولكنها خرجت منه وأعلنت رفضها لسياسة القمع ودعمت الثورة فى سوريا، وأصبحت الآن أقرب للمحور الجديد الذى تشكل بين مصر وتركيا وقطر، وظهور محور أكثر عداءً لحماس بقيادة الإمارات العربية، فحماس اليوم بين المحور الجديد والمحور القديم الذى ما زالت تحتفظ بعلاقات جيدة نوعًا ما معه، وهى الآن أمام وضع عربى جديد من المهم أن تنجح فى تسويق برنامجها المقاوم على كافة الأصعدة فى ظل المحاولات الكثيفة التى تريد أن تقدم لها الجزرة حتى تتخلى عن بعض من قيودها. فى النهاية حماس تعرضت للكثير من الأزمات على الصعيد الخارجى ونجحت فى كل مرة فى الخروج منها بشكل أفضل مما سبق، ولكن المهمة الأكثر صعوبة هى لمّ الصف الداخلى وتوحيده خلف مشروع حماس، وهذا يتطلب منها انفتاحًا أكثر على الساحة الفلسطينية حتى تستطيع لمّ الشمل الفلسطينى. هذه المهمة ليست بالسهلة، ففى الماضى كان هدف حركة حماس إظهار الدور الإيجابى للإسلاميين فى المجتمع وفى مشروع التحرير الوطنى، فكانت التربية الداخلية ترتكز على هذا الجانب، وبسبب ما تعرضت له الحركة من ملاحقات واغتيالات فقدت أصواتها المنفتحة على الآخرين، التى كانت قادرة على التأثير فى الجماهير، وهى التى قادت البناء التنظيمى للحركة. لا شك فى أن التحول لدى حماس من تنظيم أيدلوجى نخبوى إلى تنظيم جماهيرى ليس بالأمر بالسهل، وليس المطلوب أن تتحول حماس إلى غير ذلك ولكن المطلوب جهدًا داخليًّا على الصعيد الحمساوى، فالعديد من كوادر وقيادات حماس يحتاج إلى تغيير نظرته للآخرين، كما يجب ألا يقتصر النشاط الدعوى للحركة على صعيد من حضر للمساجد فقط، فحماس اليوم هى المؤهلة بأن تقود المشروع الوطنى على أرضية مشتركة تستطيع من خلالها جمع كافة الأطياف والأفكار والشرائح الفلسطينية، حتى تسير نحو مشروع تحررى متكامل، وهذا يجعلها أمام مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، كما يتطلب منها فتح آفاق العمل للطاقات الشبابية المتحمسة للعمل، حتى تحافظ على دمائها الشبابية ولا تصاب بالشيخوخة. أعتقد أن المهمة ليست سهلة للقيادة الجديدة فى هذه المرحلة ولكن خبرتها تجعلها قادرة على قيادة المشروع الوطنى، وعلى حماس أن تتحمل مسئوليتها فى هذا الجانب، وأن تقدم للآخرين رؤى وطنية، فقيادة المشروع فى هذه المرحلة هى مسئولية حماس.