حققت الدبلوماسية التركية انتصارا كبيرا بعد خضوع الاحتلال الإسرائيلى لكافة شروطها وتقديمه اعتذارا عن جريمته التى ارتكبها بحق سفينة "مافى مرمرة" التركية وأسطول الحرية الذى كان متجها لكسر الحصار عن قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام وأسفرت عن استشهاد تسعة أتراك وإصابة العشرات. الاعتذار الإسرائيلى جاء بحسب بيان لرئاسة الوزراء التركية بحسب الشروط التى وضعتها أنقرة وفى مقدمتها الاعتذار رسميا للشعب التركى، ثم تعويض عائلات القتلى، ورفع الحظر المفروض على الضفة وغزة والسماح بدخول السلع المدنية وهو من بين الشروط التركية أيضا لإعادة العلاقات. ردود الأفعال داخل فلسطين جاءت متباينة حول الاعتذار، خاصة بعد الاتصال الهاتفى الذى أجراه رئيس الوزراء التركى رجب طيب أرودغان برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل والذى أطلعهما فيه على تفاصيل الاعتذار وتعهده بتنفيذ باقى الشروط التركية. فمن جانبها، ثمنت السلطة الفلسطينية المواقف التركية الداعمة للقضية الفلسطينية، مؤكدة أن الشهداء الأتراك قضوا دفاعا عن حق الشعب الفلسطينى فى العيش بكرامة، فيما أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس أن الاعتذار نجاح لتركيا وهنأت فى بيان صحفى لها تركيا قيادة وشعبا على هذا الانتصار والإنجاز الكبير ونجاحها فى فرض شروطها على الكيان الإسرائيلى وإرغامه على الرضوخ والإذعان. وقال عزت الرشق -القيادى فى حماس- فى تصريح له على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك": إنه من المرات القليلة التى تضطر فيها "إسرائيل" للاعتذار عن جرائمها، فيما اعتبرت الحكومة الفلسطينية على لسان الناطق باسم حكومة غزة طاهر النونو أن اعتذار الكيان الإسرائيلى لتركيا عن حادثة أسطول الحرية "متأخر ويتطلب إنهاء الحصار فورا عن قطاع غزة". النائبة العربية فى الكنيست حنين زعبى أكدت أن الاعتذار الذى قدمته دولة الاحتلال لتركيا عن الهجوم على سفينة مرمرة "لا يكفى وحده". وقالت: فى تصريحات إعلامية "الاعتذار وحده لا يكفى؛ فالحديث يدور عن حياة بشر، ومقتل 9 من النشطاء كانوا على متن السفينة مرمرة". وأضافت: "لا يوجد طريقة لإثبات الاعتذار الحقيقى أفضل من الموافقة على تشكيل لجنة تحقيق دولية فى الهجوم". ووجهت حديثها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "اعتذر لهؤلاء الذين وضعتهم تحت الحصار، والنشطاء التسعة الذين قتلوا من أجلهم"، فى إشارة إلى حصار قطاع غزة. وأضافت: "عليك أن تفهم أنه لا يمكن للإسرائيليين أن يعيشوا حياة طبيعية فى ظل استمرار الاحتلال وبناء المستوطنات والملاحقة والحصار". فى المقابل، هاجمت حركة الجهاد الإسلامى الاعتذار الإسرائيلى ووصفته بالوهمى؛ حيث قال الشيخ خالد البطش -القيادى البارز بحركة الجهاد- فى تصريح له إن هذا الاعتذار اللفظى "مسموم" سيجر الويلات. وتابع "الإيحاء بأن ذلك نصر لتركيا كاذب، ولا يعتقد أن فك الحصار عن قطاع غزة سيكون أحد نتائجه فى الوقت القريب بفضل هذا الاعتذار". واعتبر البطش أن المستفيد من ذلك هو العدو الإسرائيلى، موضحا "ستضطر حكومة أنقرة بعد هذه الخطوة إلى فتح الأراضى التركية ومجالها الجوى أمام سلاح الجو الإسرائيلى وأمام المناورات المشتركة حسب شروط عضوية حلف الناتو". ورغم النجاح التركى، إلا أن العديد من المراقبين قالوا إن اعتذار نتنياهو استجابة لتحرك أمريكى توجته زيارة الرئيس باراك أوباما للمنطقة بهدف كسر عزلة الاحتلال الإسرائيلى فى المنطقة منذ حرب الفرقان والاعتداء على أسطول الحرية ومحاولة لإعادة شبكة علاقاتها فى المنطقة، خاصة فى ظل المتغيرات التى أحدثها الربيع العربى. وأكد المراقبون أن التحرك الأمريكى والاعتذار الإسرائيلى جاء لإنهاء حالة الصدام بين تركيا والكيان الإسرائيلى لما له من تهديد كبير على مصالح واشنطن فى المنطقة، معتبرين أن تأثير هذا الاعتذار ستظهر تداعياته على القضية الفلسطينية إذا استطاعت تركيا استثماره فى رفع الحصار عن قطاع غزة ولعب دور فى تعزيز المصالحة الفلسطينية.