حين حاورت مجموعة كبيرة من محامى "الإخوان" حول التصرفات القضائية الأخيرة… كان يغلب عليهم الإحساس بتربص "القضاء" -فى دوائر معينة- بالرئاسة و"الجماعة"؛ فهم يرون أن تقرير مفوضى الدولة بحل "الجماعة" هو تقرير مُسيَّس لأن "التقرير" أتى بناءً على طعن "الجماعة" فى قضية منظورة من سنوات طويلة (وهى ليست المنظورة يوم 26 الجارى)، والقاعدة القانونية صريحة بأن (الطاعن لا يضار بطعنه) بمعنى (إما أن تقبل المحكمة طعنه أو ترفضه)، أما أن تزيد العقوبة عليه بسبب طعنه فهو ما يتصادم مع قواعد القانون وينسفها، وفى قضية أخرى (المنظورة يوم 26 الجارى) وهى المرفوعة ضد "الشئون الاجتماعية" لإلزامها بحل "الجماعة"، فإن بعض المحامين قد أكد لى أن الدائرة تكاد تنطق بالحكم قبل موعده، وتكاد تصرح من سلوكها أنها ذاهبة لوضع "الجماعة" فى ورطة الحل أيا كانت أسانيد "الجماعة"، ومن هنا كان القرار بتوفيق الأوضاع طبقا لقانون مرفوض وإشهار جمعية. وإذا عرفت أن ذات (الدائرة) التى تنظر قضية "حل الجماعة" هى التى تصادمت مع "الرئاسة" فى قرار دعوة الناخبين لانتخاب "مجلس النواب"، وإذا علمت أنها تصادمت مع أعراف قضائية مصرية مستقرة بأن قرار الدعوة للانتخابات من (أعمال السيادة) وليس قرارا إداريا يراقبه "القضاء الإدارى"… إذا علمت هذا… فعليك أن تتوجس. أما إذا اقتربت من القضاة أنفسهم فستجد أن ثمة ثأرا مع "الإخوان"؛ حيث يرون أن "الإخوان" قابلوا المعروف بالجحود!... كيف؟ وتفسير ذلك أن القضاء قد أنصف "الإخوان" مرارا فى مواجهة الحكم المستبد!!، وأن القضاء الإدارى على وجه أخص قد وقف مع "الإخوان"!! فى دعاواهم الانتخابية العديدة فى مواجهة النظام البائد، وأوقف لهم انتخابات مزورة، وأجبر السلطات على قبول بعض مرشحيهم رغم أنف التعنت الأمنى، بل وأعلنت محكمة النقض فساد عضوية العديد من أعضاء الحزب الحاكم الذين نجحوا بالتزوير... كذلك فإن هروب النظام البائد إلى "القضاء العسكرى" فى محاكمات "ا?خوان" كانت بسبب البراءات المتوالية "للإخوان" التى صفع بها القضاء ذلك النظام. إذن فالجميل القضائى يغطى رأس "الإخوان"!!.... أما جحود "الإخوان" فيتمثل فى "الدستور" الذى أعلى استقلال القضاء ونزه القضاة عن الوقوع تحت تحكم السلطة التنفيذية، لكنه تسبب فى سلبهم ميزات مالية كثيرة حين نص فى المادة 170 (… ولا يجوز ندبهم إلا ندبا كاملا، وللجهات وفى الأعمال التى يحددها القانون، وذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء وإنجاز عمله). ومشكلة الندب الكامل هذه سحبت من القضاة ميزة أن يكون قاضيا على المنصة فى الصباح، ومستشارا لجهة من جهات السلطة التنفيذية فى المساء، بمعنى أن يكون قاضيا عليهم فى الصباح، وموظفا عندهم فى المساء، وفى ذات الوقت!... بل وقد تُعرض قضاياهم عليه؛ فيكون (مستشارهم القانونى) فى ذات القضية التى ستنظر أمامه (كقاض)!!. هذا الوضع لم يكن يستغربه "القضاة الموظفون" الذين يعملون فى القضاء باعتباره "أكل العيش" ولا يدركون مغزى كونه سلطة مستقلة….أضف إلى ذلك إحساسهم العام بأن تكافؤ الفرص سيمنعهم من ضمان تعيين أبنائهم بالقضاء إلا بالكفاءة التى سينافسهم فيها الجميع من أبناء الشعب. الآن أصبح "الدستور" الذى نشأ فى عهد "الرئيس الإخوانى" يتصادم مع مصالح شخصية، إذن فالإخوان جاحدون!… فهل معنى ذلك أننا سننتظر صراعا يدفع "الرئيس" لإعادة الأوضاع القضائية إلى ما كانت عليه؟.... وهل يعيد (الصفقة) إلى ما كانت عليه قبل الثورة؟. أم يظل مدافعا عن الحق فيناله أذى بعض القضاة؟ الإجابة بالطبع أن "الرئيس" سينحاز "للدستور" الذى يعلى استقلال القضاء وسيرفض أى مساومات على ذلك، وسيصبر على الحق حتى يستقر، ويلتزم به الجميع. وإذا أردت أن أزيدك دهشة… فقد علمت من بعض الأصدقاء بالرئاسة أنه عقب وصول قانون الانتخابات من "مجلس الشورى".. "للسيد الرئيس" وذلك قبل انتهاء المدة الدستورية بأقل من يومين، قامت الرئاسة بالاتصال بالسادة رؤساء "المحكمة الدستورية، ومجلس القضاء الأعلى، وهيئة قضايا الدولة، والقضاء الإدارى"، وعلمت أن "الرئيس" ناقشهم بنفسه وطلب مشورتهم، فكانت المشورة بالإجماع على صحة الموقف الدستورى والقانونى إذا دعا "الرئيس" الناخبين لانتخاب "مجلس النواب"، بل وزاد على ذلك حوارا مطولا مع "السيد رئيس المحكمة الدستورية" عما إذا كان "مجلس الشورى" قد وفَّى ملاحظات "المحكمة الدستورية" فأخبره بالإيجاب. وإذا عقدت الدهشة لسانك مثلى، فإن هذا يجرنا إلى المناقشة البريئة التى أثارها "أستاذنا فهمى هويدى" الذى رأى أن الشد والجذب بين الرئاسة والمحكمة الدستورية طبعى، وضرب مثلا بما يحدث دائما فى أمريكا من تناقض بين الجهتين… وأقول (مناقشة بريئة) لأن "أستاذنا" يتحدث عن جهتين تمارسان العمل الوطنى بلا عُقَد مسبقة، ولا عداوات مختلقة، أما عندنا فما زالت المصالح السياسية تطل برأسها من منصة القضاء. وأما شكاوى القضاة المحترمين الدائمة بتعرضهم للضغوط السياسية، فعليهم أن يتفهموا ذلك الموقف الصعب، لأن لهم زملاء انخرطوا فى اللعبة السياسية إما أمام الأضواء أو خلفها، وهم من صَدَّر الشعور بالريبة، حتى أصبح القضاء فى اختبار دائم أمام المتقاضين وليس العكس، وعلى قضاتنا الشرفاء -وعلى رأسهم وزير العدل- ألا يهددوا بالخروج من المشهد الوطنى بسبب الضغوط والإحباط، وعليهم ألا يخذلوا "الرئيس" الذى تقاومه كل مؤسسات "دولة مبارك". كما عليهم ألا يضيقوا بإعلان التوجس من القضاء… فالقضاء ما زال يخلق أسبابا عديدة لهذا التوجس، وإصرار الشفاء على إقرار الحق سيساهم بقوة فى تمكينه.