جاءت نتائج انتخابات نقيب الصحفيين والتجديد النصفى لمجلس النقابة، التى جرت الجمعة الماضى، لتؤكد أن مسار الديمقراطية بعد ثورة يناير قد انطلق ولن يستطيع أحد وقفه أو التأثير عليه، مهما كانت النتائج وأيا كانت الشخصيات الفائزة أو التيارات الصاعدة أو الهابطة. وشارك فى التصويت نحو 30% من الصحفيين، وفاز "ضياء رشوان" بمنصب نقيب الصحفيين بعد حصوله على نحو 51% من جملة الأصوات الصحيحة. ولعل تلك النتائج تؤكد أن الديمقراطية بمعناها العملى، والمعبر عنه باحترام رأى الأغلبية والتى يعبر عنها رقميا ب50%+1، هو ما احترمته الجمعية العمومية للصحفيين الذين ارتضوا نتيجة الصندوق وشفافيته، ولم يطالب أحد بأن تدنى نسبة الأصوات التى حصل عليها النقيب لا يمثل عموم الصحفيين، كما تردد جبهات المعارضة المصرية وجبهة الإنقاذ التى يتزعمها نقيب الصحفيين الجديد ضياء رشوان، الذى يردد هو وجبهته أن النسبة التى فاز بها رئيس الجمهورية محمد مرسى 51.7% لا تعبر عن عموم المصريين، إلا أن الواقع السياسى فى عموم الدول فى ظل الديمقراطية يقول بأنه لم يعد تيار أو رئيس يحوز الأغلبية العظمى، وأن نتائج الانتخابات التى كانت تعلن فى فترة الستينيات -التى كان مشكوكا فى صحة غالبية نتائجها- قد انتهت تماما. ومن ثم فإن دعاوى جبهة الإنقاذ التى يتزعمها ضياء رشوان، التى تنادى يوميا بإسقاط الرئيس المنتخب ب51%، تسقط تلقائيا من عقول المعارضة المصرية.. والتى عليها أن تعى أن هذه هى الديمقراطية!! أما الدرس الثانى، الذى يمكن قراءته فى تلك الانتخابات، فهو سقوط تهم التكويش المعلبة التى تقذف فى وجه الإسلاميين دائما، والتى توجه وتصدر فى وسائل الإعلام للتيار الإسلامى وللإخوان المسلمين بصورة مستمرة، حيث امتنع التيار الإسلامى عن تقديم مرشح لمقعد النقيب، على الرغم من أن النقيب السابق المحسوب على تيار الإخوان المسلمين قد قدم إنجازات وخدمات نقابية كبيرة لعموم الصحفيين كانت قادرة على حسم النتائج، إلا أن الجماعة الصحفية للإخوان المسلمين قدمت درسا لمن يرفعون اتهامات التكويش. بعد آخر يمكن رصده من تحليل النتائج، وهو ازدواجية المعايير التى يعتمدها كثير من التيارات السياسية، من ناصريين وقوميين ويسار، ففى الوقت الذى يتهم فيه هؤلاء التيار الإسلامى بأنهم يستغلون النقابات المهنية لتحقيق أغراضهم السياسية، جاءت احتفالات اليسار والناصريين بفوزهم بمجلس النقابة، ومعهم للأسف النقيب ضياء رشوان صاحب الدراسات والتحليلات الرصينة، بهتافات ساقطة، ما يؤكد أن من يسيس النقابة هم أصحاب الشعارات البراقة من القوميين واليسار.. بدليل إعلان جبهة الإنقاذ دعمها السياسى لنقابة الصحفيين بتشكيلها الجديد. ونسى اليسار والناصريون أن ثورة يناير قد أطلقت الحريات العامة وأتاحت العمل السياسى للجميع وأسقطت تسييس النقابات الذى كان جائزا ومنفذا للعمل السياسى فى عهود الاستبداد السابقة. أخيرا، فى الوقت الذى خرجت تحليلات وتصريحات قيادات اليسار والمعارضة المصرية بأن نتائج انتخابات الصحفيين هى إزاحة للتيار الإسلامى وإسقاط له، وأن الانسجام الفكرى الذى يحظى به المجلس فى ضوء صعود اليسار والناصريين سيحقق الكثير للصحفيين، يتناسى هؤلاء الجهابذة فوز طلاب الإخوان والتيار الإسلامى بمعظم اتحادات الطلبة فى جامعات مصر، وتركز تغطيات وسائلهم الإعلامية على المواقع التى يتراجع فيها الإسلاميون، بل نجد المانشيتات العريضة التى تشير مثلا إلى تراجع الإسلاميين فى إحدى فرق إحدى الكليات بإحدى الجامعات، رغم حسم طلاب الإخوان الانتخابات وفوزهم الكاسح فى 12 جامعة حتى الآن، وأن الإسلاميين يتصدرون عموم النقابات المهنية. وبطريقة أخرى، يمكن الوصول إلى نتيجة مهمة وهى أن التنوع مصدر قوة للمجتمع المصرى، الذى ينتظر التناغم والتوافق للعبور بمصر إلى مرحلة النهضة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد تعطيل نقيب الصحفيين وإخوانه من اليسار مسيرة العمل السياسى والديمقراطى فى مصر لفترة طويلة فى ظل حكم الرئيس مرسى، بدعاوى عدم تمثيل مرسى عموم الشعب المصرى، وأن شرعية ال51% لا تمثل عموم المصريين!!. ولكننا كصحفيين نقبل بشرعية نقيبنا الجديد ب51% من منطلق إيماننا بالديمقراطية التى ينساها كثيرون من رفقاء الجهاد والمعارضة على شاشات التوك شو.