* منع عرض الفيلم.. جريمة ضد الإبداع * د. علاء عبد العزيز: ترصُّد الإبداع المغاير فكرة "فاشية" * د. أيمن الشيوى: نقص الخبرة وراء أخطاء صناع العمل لم يكن صنّاع فيلم "تقرير" يتخيلون وهم يضعون الخطوط العريضة لفيلمهم ما سيثيره من انتقادات حادة لأشخاصهم ومنتجهم الفنى قبل أن يشاهده أحد، فحداثة تجربتهم ربما جعلتهم يتحركون بشىء من التخبط، وأحيانا بأمل لم يلتفت لواقع يحدث على الأرض ويتم تصديره ليل نهار فى وسائل الإعلام، وأسموا مشروعهم "سينما النهضة" وأعلنوا عنه منذ عدة أشهر ولم يلتفت له أحد. ولكن ما إن أعلن عن عرض الفيلم الأول للمشروع الذى سيكون الإشارة الأولى لانطلاقه فوجئوا بكم من الهجوم من أصحاب المهنة أنفسهم، وتبعه الحديث عن نوعية الفيلم ونقد له والتكهن بمحتواه؛ ليصل فى بعض الأحيان إلى الزعم أن الفيلم يصف الثوار بالبلطجية. وظل صناع الفيلم فى حالة دفاع دائم عن أنفسهم، ونفى مستمر لكم الشائعات التى طالتهم، الذى وصل إلى البحث عن انتماء بعضهم لجماعة الإخوان المسلمين، والحديث بمبدأ المؤامرة بأن الفيلم من إنتاج الإخوان، وإلا فلماذا أسموا مشروعهم "سينما النهضة". قصة الفيلم تقوم الحبكة الرئيسية للفيلم بوضع حدث مركزى، ألا وهو إذاعة إحدى الفضائيات نبأ عرض الفيلم المسىء للرسول صلى الله عليه وسلم، لنرى حبكات فرعية متداخلة تصب فى هذا المركز لتتقاطع معه، فنرى ردود فعل أصحاب هذه الحبكات على هذا النبأ مع اختلاف أجناسهم وأعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية المختلفة. بين الرفض والقبول فمن جانبه، عبر الدكتور علاء عبد العزيز -أستاذ المونتاج بالمعهد العالى للسينما- عن دهشته من وجود رقابة من قبل الفنانين والمثقفين أنفسهم، مشيرا إلى أن الحجر على الإبداع المغاير للفكر هى فكرة فاشية باسم الإبداع بأن يكون قاصرا على فكر أو أيدلوجية معينة وألا يسمح بهذا الإبداع إلا من خلال البعض. وقال عبد العزيز: من يحتج على إبداع الآخرين اليوم، غدا لن يكون له الحق عندما يتم الحجر على إبداعه، فالجمهور والنقاد هم الحكم على أى تجربة فنية، فمن الممكن أن يقبلها الجمهور ولا يقبلها النقاد، ومن الممكن أن يقبلها النقاد ولا يقبلها الجمهور، ومن الممكن أن يقبلاها معا أو يرفضاها معا. ويضيف أنه إذا فتحنا الباب للحجر على الإبداع سنسمح لأى أحد بالحجر على إبداع أى أحد تحت أى مسمى، ونحن الآن فى دولة لها دستور جديد يحث على الإبداع ولا أعرف ما هو الدافع وراء ذلك. وأشار عبد العزيز إلى أن المبدع هو من يضع معاييره، وفى بعض الأحيان يجد أن عليه وضع عبارة "للكبار فقط" حتى يبين للمتلقى نوعية ما سيراه، أما السينما المستقلة فليس لها تعريف فى مجتمعنا؛ لأنها مستحدثة، وأى شخص الآن يستطيع أن ينتج فيلما مستقلا، وفى بعض الأحيان نعرف مدى الإقبال على مشاهدة الفيلم بعد نشره على اليوتيوب من خلال عدد المشاهدة. ويعقد الدكتور علاء عبد العزيز الأمل على السينما المستقلة والقصيرة والتسجيلية للخروج مما آلت إليه حال السينما فى الوقت الراهن، فلم يعد هناك أمل فى السينما التجارية التى أصبحت نمطية تعمل على استنساخ الأفلام الأجنبية وتمصيرها دون وجود إبداع حقيقى بها. ويضيف عبد العزيز أن شركات الإنتاج الكبيرة تحاول استيعاب هذه النوعية من الأفلام حتى لا تهدد ما ينتجونه فى المستقبل. من جهته، يوضح الدكتور شوكت المصرى -أستاذ النقد الأدبى بأكاديمية الفنون- أن الاعتراض على عرض الفيلم بقاعة سيد درويش بأكاديمية الفنون يتلخص فى ثلاث نقاط، الأولى: أنهم أجروا القاعة لحفل فنى للأطفال ولم يتم ذكر أن هناك فيلما سينمائيا سيتم عرضه وبالتالى فلم يذكر الغرض الحقيقى من إيجار القاعة. النقطة الثانية: أنه باع تذاكر قيمة الواحدة منها 100 جنيه وسماها بالمغالطة دعوة؛ وقد فعل ذلك للتحايل على القانون، فما كان سيحدث فعليا هو عرض خاص للفيلم وهو شىء آخر له شروط أهمها أن الدعوة تكون شخصية ومجانية وألا تمتد لأكثر من ثلاثة أيام وطالما سيجمع مقابل للمشاهدة وأنه عرض جماهيرى فهو لا ينطبق عليه شروط العرض الخاص. والثالثة: أن الفيلم لم يحصل على موافقة الرقابة، ولم يتم تقديم تصاريح التصوير الخاصة بالفيلم وذلك لعرضه، وإذا قيل من صناعه، إنه فيلم مستقل؛ فإن الفيلم المستقل ليس له الحق فى العرض الجماهيرى بهذا الشكل ولهذه النوعية من الأفلام أماكنها وشروطها. وتابع: لكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن: لماذا قاعة سيد درويش بأكاديمية الفنون؟ فقد كان أمامهم العديد من الأماكن للعرض كقاعة فى أحد الفنادق الكبرى أو ساقية الصاوى مثلا. ويقول الدكتور سيد خطاب -أستاذ الدراما بالمعهد العالى للفنون المسرحية وآخر رئيس للرقابة-: إن تصاريح التصوير لا يتم منحها إلا لشركات الإنتاج، ويجرم التصوير دون هذا التصريح ولا يمنح هذا التصريح إلا لشركة إنتاج أو مؤسسة. ويضيف خطاب أن الأفلام القصيرة نتجاوز معها لنتفاعل مع نوعية هذا الإنتاج الجديد، فالأفلام التى يعرضها المركز القومى للسينما نعتبرها تابعة لهذه المؤسسة ونعتبرها هى المؤسسة المعنية التى تتم مخاطبتها، بالإضافة إلى أنه نظرا للتطور التكنولوجى أصبح هناك أفلام تجارية تعتمد على الارتجال أو يبدأ صناعها فى تصويرها قبل اكتمال السيناريو فيتم منح التصاريح على الفكرة الرئيسية ويمنح بعد ذلك التصريح بالعرض بعد مشاهدة الفيلم كاملا. مشددا على أنه لا يتم عرض أى مصنف فنى جماهيريا إلا بعد الحصول على تصريح الرقابة بالعرض. وينصح صناع الفيلم فى حالة عدم وجود جهة إنتاجية أو شركة إنتاج فنى يتم تقديم تصريح العرض باسمها أن يقوموا بالاشتراك فى أحد مهرجانات الأفلام المستقلة وستخاطب إدارة المهرجان الرقابة للحصول على التصريح اللازم للعرض، وبالتالى يكون الفيلم قد تمت إجازته رقابيا. وينفى الدكتور أيمن الشيوى -أستاذ التمثيل بالمعهد العالى للفنون المسرحية والمشرف على قاعة سيد درويش- أن تكون الأكاديمية قد قامت بمنع عرض الفيلم، معربا عن حزنه على حالة التربص من الصحفيين الذين يتصلون به محاولين انتزاع أى خطأ من سياق كلامه، بالإضافة إلى حزنه على توقف مشروعهم، فالمنتج الفنى مجاله الحوار والنقاش، مشيرا إلى أن هناك كما من الاتهامات طالت إدارة الأكاديمية وشخصه لسماحه بعرض الفيلم وصلت لحد وصفى بانتمائى لجماعة الإخوان المسلمين وهو شرف لا أدعيه. وتساءل عن منطق هذه الحملة غير مفهوم؟ وأوضح الشيوى أن تراجع الأكاديمية عن العرض يأتى لعدة أسباب أنهم فى البداية اتصلوا به، وذكروا أنهم سيقيمون حفلة للمواهب فى الشعر والأغانى، بالإضافة إلى عرض فيديو لن يطول عن 5 دقائق وستكون دعواته مجانية، وأن المشاركين فى الحفل من الهواة، فطلبت منهم ترك مبلغ "عربون" لجدية الأمر وذهب أحدهم وترك مبلغا من المال مع إحدى الموظفات بالقاعة وحصل على إيصال بالاستلام. وقبل العرض بيومين فوجئت باتصال هاتفى من إحدى الصحفيات تخبرنى بأن الحفل الذى سيقام يوم الجمعة هو عرض لفيلم "تقرير" فتعجبت لذلك وأمدتنى بصفحة الفيلم على فيس بوك لأدخل لها لأجد أنه فيلم وأن هناك تذاكر لهذا العرض. فاتصلت بالمخرج واجتمعت معه وذكرت له أن كل شىء له إجراء خاص به ونحن مؤسسة حكومية محكومة باللوائح والقوانين، وما كان منهم إلا أنهم تفهموا الأمر ورد لهم المبلغ المدفوع وانتهت صلة الأكاديمية والقاعة عند ذلك. ويضيف الشيوى أن المفاجأة كانت فى المساء لوجود حملة فظيعة على الفيلم بها الكثير من الأكاذيب لتصل إلى أن وزير الثقافة أعطى لصناع الفيلم القاعة مجانا. ويرجع الدكتور أيمن الشيوى هذا الخطأ من قبل صناع العمل لعدم الخبرة، فعدم وجود تصريح للرقابة يعد قضية جنائية، بالإضافة إلى أن الدعوة مبيعة، وعليه أن يخطر الضرائب لدفع ضريبة الملاهى المقررة وفى حالة عدم فعل ذلك فإنها قضية جنائية أخرى. جدير بالذكر أن مجموعة من طلاب وخريجى أكاديمية الفنون دشنوا حملة على فيس بوك تحت اسم "منع عرض فيلم الإخوان فى قاعة سيد درويش" وتوعدوا أنه فى حالة موافقة الأكاديمية على عرض الفيلم فإنهم سيتجمعون فى مظاهرة أثناء عرضه أمام أبواب القاعة.