سادت حالة من التفاؤل الحذر الشارع السودانى بعد الاتفاق الجديد بين الخرطوموجوبا "وهو عبارة عن أربع وثائق مصفوفة فى مجال الترتيبات الأمنية"، وتم توقيعه فى أديس أبابا فى 8 مارس الجارى، الذى وافق البلدان بموجبه على إصدار الأوامر لقواتهما بالانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح، كما أنهما سينهيان انسحابهما من المنطقة المعنية بحلول الخامس من إبريل المقبل، وفق جدول زمنى محدد، كما يقضى الاتفاق كذلك بتكليف آلية محايدة لمراقبة المنطقة العازلة بين البلدين، بالإضافة إلى استئناف ضخ النفط فى غضون أسبوع أو أسبوعين. وتوقع مسئولو البلدين "شمال وجنوب السودان" أن الاتفاق الجديد سيفتح الباب أمام علاقة جوار طبيعية وتعاون بين الدولتين، وهو ما أكده وزير دفاع السودان الفريق عبد الرحيم محمد حسين، الذى ترأس وفد بلاده فى المباحثات التى جرت فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مشيرا إلى أن الخرطوموجوبا تجاوزا جميع نقاط الخلاف الأساسية التى كانت تقف حائلا دون معالجة الأزمة، معتبرا نتائج جولة المفاوضات بين وفدى الدولتين ناجحة ومهمة. وذكر الوزير أن الطرفين بحثا قضايا لم يتم البت بشأنها فى اتفاق 27 سبتمبر الماضى الذى وقعه رئيسا الدولتين، إلى جانب الاهتمامات الأمنية وقضية فك ارتباط الجيش الجنوبى مع قوات الحركة الشعبية -قطاع الشمال- ودعم جوبا لمتمردى دارفور. وأضاف أن لجنة للمراقبة الخاصة ستبدأ عملها بمراقبة المنطقة المنزوعة السلاح التى حددها بمساحة 2175 كلم2 وبعرض 10 كلم، بما يشمل منطقة 14 ميلا المتنازع عليها. تقدير موقف وفى محاولة لقراءة نتائج الاتفاق الأخير-الذى جاء بعد ضغط دولى من قبل الأممالمتحدة التى لوحت بإجبار الطرفين على إنجاز المفاوضات- أصدر المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات -وهو مؤسّسة بحثيّة مقرها الدوحة- دراسة مصغرة تناولت الاتفاق الأخير التى توقعت أن يكون بداية لحل جذرى للأزمة فى المنطقة المشتعلة دائما. وتناولت الدراسة التى حملت عنوان "السودان وجنوب السودان.. إلى أى مدى ينجح الاتفاق الأخير؟"، بداية التوتر بين الجانبين، الذى جاء عقب قرار جنوب السودان إغلاق الأنبوب الذى ينقل النفط عبر أراضى السودان إلى ميناء التصدير على ساحل البحر الأحمر فى يناير 2012، بعد تزايد التوترات والاتهامات المتبادلة بينهما، وفشل المفاوضات فى الوصول إلى اتفاق يرضى الطرفين بشأن رسوم عبور البرميل، مضيفة أن توقف ضخّ النفط المنتج فى جنوب السودان أدى إلى حرمان جمهورية السودان من عائدات رسوم العبور التى كانت الحكومة السودانيّة تؤمّل فى أن تسد لديها جزءًا كبيرا من الفجوة الكبيرة فى ميزانيتها، تُقدر بنحو أربعة مليارات دولار. وحسب الدراسة فإنه منذ انفصال الجنوب وتراجع عائدات النفط تفاقم الغلاء فى جمهورية السودان، وارتفعت معدلات التضخم، وفقد الجنيه السودانى فى فترةٍ وجيزة ما يقارب نصف قيمته، فضلا عن أنّ حكومة السودان أصبحت مواجهة بنفقات حرب عصاباتٍ فى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، فضلا عن الاضطرابات المستمرة فى إقليم دارفور. تفاؤل حذر وفى المقابل، بقى جنوب السودان بلا عائداتٍ مالية تقريبًا، وهو ما انعكس على حياة المواطنين، كما أن توقف التجارة الحدودية، حرم الجنوبيين من كثيرٍ من السلع الغذائية الأساسية التى كانت تزودهم بها جمهورية السودان. وخلصت الدراسة إلى أن الوصول إلى اتفاق يخرج الأمور من نفق الانغلاق، ويخفف الأزمة المالية والضائقة الاقتصادية والمعيشية فى البلدين، أمرٌ مرحَّب به فى كل الأحوال، وينطبق ذلك الترحيب أيضًا على التفاوض من أجل إيجاد مخرجٍ سلمى، لكنها رأت أن رفض الخرطوم التفاوض مع الحركة الشعبية (قطاع الشمال) فى هذا اللقاء يقلّص مقدار التفاؤل، خاصة أن الصراع فى السودان منذ الاستقلال وإلى اليوم لم يكن صراعًا جنوبيًّا شماليًّا صرفًا، كما لم يكن صراعًا مطلبيًّا صرفًا بين هامش الدولة السودانيّة ومركزها، وإنّما كان، على الدوام، صراعًا ظلّت للأيدى الإقليمية والأجنبية فيه يدٌ ظاهرة؛ حسب قراءة الدراسة.