* قلب الحقائق وخلط المفاهيم مراهقة سياسية * الصراع السياسى يكون بآليات ديمقراطية وليس بالعنف حذر سياسيون من خلط المفاهيم وقلب واجتزاء المعانى، وصك مفاهيم أخرى غريبة تؤدى إلى نوع من الفوضى. وقالوا إن هذه الظاهرة كشفت عنها ديكتاتورية الأقلية وممارسة الصراع السياسى بالعزوف عن الآليات الديمقراطية، واستبدالها بتعصية مدنية إجبارية لا تمت بصلة للعصيان المدنى، ومبرراته وآلياته القائمة على السلمية، وأن يكون ضد نظام مستبد وليس منتخبا. وطالب الخبراء بضرورة ضبط المصطلحات، وتوعية المواطنين بحقيقتها، مؤكدين أن اختراع مفهوم "التكويش" على سبيل المثال يهدف إلى حرمان الأغلبية من حقها بموجب التفويض الشعبى. من جانبه، أكد السفير إبراهيم يسرى -رئيس جبهة الضمير- أن ما نعانيه الآن من خلط للمفاهيم والمعانى بمنزلة "طفولة سياسية"، فى دولة تبدأ أولى خطواتها نحو الديمقراطية، مما أوقعنا فى أخطاء كثيرة، سواء أغلبية أو معارضة أو حكومة فى أثناء التطبيق العملى لمفاهيمها. وأوضح السفير يسرى أن أدوات الصراع السياسى ليست بالحشد ولا بالخرطوش، ولكنه صراع حضارى بالآليات الديمقراطية، ويتم دائما من خلال التفاوض وصندوق الانتخابات، مشيرا إلى عدد من المفاهيم والمصطلحات التى تحتاج إلى ضبط مثل مفهوم الديمقراطية وأدواتها وآلياتها ودور الأغلبية والأقلية والعصيان المدنى ونسبة التصويت. تفويض الأغلبية وحذر من إنكار قاعدة ديمقراطية أساسية؛ وهى أن الأغلبية تتحقق بنصف المصوتين +?، وبهذا يكتسب الحزب تفويض الشعب لتولى مناصب الدولة ومجالسها التشريعية، مؤكدا أن ديكتاتورية الأقلية حالت دون ذلك بإرهاب الأغلبية باتهامات ساذجة مثل "التكويش"، وهى فى حقيقتها ممارسة الأغلبية لمهامها التى كلفها بها الشعب. وأضاف السفير يسرى لا يمكن مثلا أن ننتقد حزب العمال البريطانى؛ لأنه جاء بوزارة كلها من أعضاء الحزب، ويحدث ذلك فى فرنسا وأمريكا والهند، مشيرا إلى أن الغريب عندنا أن الأغلبية لم تمارس هذا الحق فى تشكيل الحكومة ومؤسسة الرئاسة. صراع مجنون ووصف السفير يسرى الصراع السياسى القائم بالمجنون؛ لأنه يعزف عن استخدام أدواته المطلوبة والمشروعة ليسقط رهينة توظيف الكراهية والحقد والمولوتوف والقتل، وقطع الطرق، ومنع الإنتاج ووقف العمل بدوائر الدولة ووقف الخدمات، وتدمير المنشآت فى انغلاق فكرى وأخلاقى بغيض يعلى المصالح الحزبية والشخصية على الصالح العام، مطالبا بضرورة وقف الدمار وتوظيف الآليات السياسية والديمقراطية التى استقرت بعد قرنين من كفاح الشعوب ضد الدكتاتورية والطغيان. وأشار إلى خطورة هجر المعارضة لآليات الصراع الديمقراطى والتشكيك فى مصداقية الصندوق، واستبدالها بالحشد فى الميادين والمظاهرات التى خرجت مرات عديدة عن سلميتها، وبعد أن فشلت فى إسقاط النظام أو إجباره على تسليم السلطة التى أسندها الشعب له، وراحت تدعو الآن إلى العصيان المدنى، مؤكدا أن هذا من أهم المصطلحات التى تتطلب الضبط، لأن مشروعية العصيان المدنى تنبع من انعدام الوسائل الديمقراطية لإزاحة الحاكم. العصيان المدنى وأشار مدحت ماهر -المدير التنفيذى لمركز الحضارة للدراسات السياسية- إلى أنه فى ظل حالة جديدة من التحرر والانفتاح السياسى فى أعقاب ثورة يناير، كان من المنتظر بدء عمليات التوعية والتثقيف السياسى المنضبط، والقائم على الصالح الوطنى وعلى الصدق وبيان الحقائق، موضحا أن الاستقطاب والصراع السياسى حول الخطابات السياسية والخطاب الإعلامى المسيس نحو حالة من الاحتقان، على الرغم من أننا فى حاجة إلى تثقيف علمى، لكن الصراعات منعت ذلك وحل محل التوعية الرشيدة الموضوعية التعبئة المضادة من طرف ضد آخر. وقال ل"الحرية والعدالة": إن الأزمة فى خطاب يؤجج الاستقطاب وأحد أدواته "عالم المفاهيم"، التى تم تداولها منها الدولة المدنية والدولة الدينية وغيرها، لافتا إلى أن هناك الآن حقيبة مفاهيم متداولة أثرها سلبى على الساحة، منها "المقاطعة" و"العصيان المدنى" و"التكويش" و"الأخونة"، وهى مفاهيم تستعمل للهجوم وتبرير المواقف وتسىء بعض القوى استخدامها وتقوم بالخلط بينها عن قصد. وأوضح ماهر، أن المفاهيم السياسية نوعان؛ نخبوية تتعلق بالقوى السياسية المنظمة، وأخرى جماهيرية تتعلق بالحشود السياسية كالعصيان المدنى والثورة، وهى مفاهيم تعبر عن حالة شعبية وجماهيرية حقيقية وواسعة نتيجة احتقان سياسى أو اقتصادى متراكم، لكن الحاصل الآن محاولة "النخبة" ركوب الموجة الراهنة أو صناعتها وافتعالها لتصوير ما يحدث بالشارع على أنه عصيان على خلاف الواقع وعلى النقيض من مفهوم العصيان نفسه، مشيرا إلى أن العصيان هو: "حالة جماهيرية تقاوم استبداد بمقاومة سلمية تتمثل فى الامتناع عن الأعمال"، لكن الجارى على الأرض الآن هو "تعصية مدنية جبرية"، أى فرض العصيان على الناس بالقوة الجبرية بمنعهم من تأدية الأعمال ودخول مكاتبهم، وهذا تعطيل لأعمال الدولة والمؤسسات العامة. "التكويش والاستحواذ" ويرى ماهر أن مفهوم "التكويش والاستحواذ" لا محل له من الإعراب وممنوع من الصرف سياسيا، وتم التدليس والتعمية عن معناه، موضحا أنه إذا جاءت قوة للحكم بطريقة غير شرعية باستعمال القهر تسمى فى هذه الحالة استبداد من سلطة طاغية وإكراه، وليس "تكويشا"، وعلى العكس إذا وصلت قوة سياسية للحكم بشرعية الصندوق ونزاهة الانتخابات فمن حقها أن تدفع برجالها للسلطة، وهذا معمول به دوليا. ولفت إلى أن "التوافق" مفهوم نخبوى يقع بين النخب دون الرجوع أو الاحتكام إلى الشعب، وصار يعنى حلولا سياسية تتم بطريقة غير ديمقراطية، فرئيس توافقى وحكومة توافقية تعنى اختيارها بعيدا عن اختيارات الشعب، متسائلا إذا كانت الديمقراطية مرفوضة من البعض فكيف يكون التوافق ممكنا. وحول مقاطعة الانتخابات، قال ماهر: إنه مفهوم سياسى حقيقى، ومقاومة سلبية للسلطة، كقوة ترسخ بقاءها وتفصل قواعد اللعبة على مقاسها، مؤكدا أن الظروف فى مصر لا تبرر آلية المقاطعة؛ لأنها قائمة ضد نظام سياسى جديد فى إطار عملية ابتزاز سياسى.