فى كل بلد وكل وطن فيه رئيس ومرءوسون، أو حكومة ومحكومون، أو نظام حاكم ومعارضة، تسعى المعارضة جاهزة لنيل الموافقة من الرئيس، والحصول على الإذن بالزيارة أو الحوار والاستماع، وإذا رد الرئيس على المعارضة عبر وسيط وبشكل غير مباشر فهذا فيه انتصار وتواصل محمود، ونشوة تشعر بها المعارضة، ولا أقول هذا إقرارا له، وإنما هو وصف لما كان يجرى فحسب!. هذا ما عشناه عقودا طويلة فى فترة ما قبل ثورات الربيع العربى مع الحكام المستبدين، والأنظمة البوليسية القمعية التى لم تجد مكانا للمعارضين سوى السجون والمعتقلات، والتنكيل والتعذيب، والسحل فى الصحارى، والتجريد من الملابس، والصعق بالكهرباء، والحرمان من أدنى الحقوق الطبيعية لبنى البشر. ولما قامت الثورات ووصل الإسلاميون إلى سدة الحكم باختيار حر مباشر من شعوبهم، انقلبت الآية، وانعكست الأوضاع، وانقلبت الأحوال، فأصبح الرئيس يستجدى المعارضة كى تجلس للحوار، ويدعو هو للحوار والمعارضة ترفض، فأصبحنا بين أكثرية مستضعفة، وأقلية مستبدة! ليس هذا فحسب، بل إن هذه الأقلية تسعى لإفشال الرئيس المنتخب بكل ما تستطيع، بطرق مشروعة وغير مشروعة، وغير المشروع هو الأصل: تحريقا وتقتيلا وإحداثا للفوضى والخراب والدمار والدماء والأشلاء. إن الرهان على إفشال الرئيس المنتحب وتركيعه مستمر، وينتقل من طرف لآخر، فبدأ الرهان على القضاة والمحكمة الدستورية، فلما فشل هذا الرهان انتقل إلى جبهة الخراب، فلما فشلت انتقل إلى التخريب والفساد فى الأرض، فلما فشلوا انتقلوا إلى "العصيان المدنى" بالإكراه وبالإجبار، وإشعال مدن القناة، فلما فشلوا انتقلوا إلى استجداء الجيش وطلب الانقلاب على مرسى. السؤال هنا: من يحرك كل هذه الأطراف؟ ومن المستفيد من تركيع مرسى وإفشاله؟ ثم ما هذه الفوضى وحالة السعار التى يحياها التيار اليسارى؟ الذى يريد استئصال معارضيه ونفيهم من الأرض؟. إنهم لا يعارضون أفكارا ولا مشروعات، وإنما يعارضون فكرة وجود أى إسلامى فى أى سلطة. يُكرهون بعض فئات الشعب على "العصيان المدنى" المزعوم، والهدف هو إزاحة الرئيس والإخوان. يستنجدون بالجيش لحكم البلاد، ويسعون لجلب توقيعات لإعادة حكم العسكر، وهم الذين كانوا يهتفون ضده! يريدون عودة حكم العسكر لأن الانتخابات والديمقراطية أتت بغير ما تشتهى السفن! ولكن وزير الدفاع السيسى رفض مقابلة رموزهم، وشدد على أن منتهى أمل أعداء مصر أن يعود الجيش للسياسة، وسيظل الجيش حارسا للحمى، وصمام أمان داخليا وخارجيا. يعتدون على ممدوح الولى نقيب الصحفيين لأنهم يرفضون وجوده. ألم يأت هؤلاء بالانتخاب؟ أم أن الديمقراطية عندهم إذا جاءت على هواهم فبها ونعمت، وإلا فالبديل هو الحرائق والتخريب والقبائح والشتائم المنحطة والرغبة المسعورة فى القضاء على من يعارضونهم؟ لقد أثبتت الأيام الماضية أن الإسلاميين يفهمون الديمقراطية ويتعاطون معها بما لا يستطيعه هؤلاء، الذين لو تمكنوا من أى سلطة لسحقوا معارضيهم سحقا، وعلقوهم على أعواد المشانق. ألا بئست المعارضة، وشاهت وجوه هؤلاء المعارضين!