* تيارات سياسية تستغل سذاجتهم لتنفيذ أعمال العنف والتخريب * "الأطلسى" و"المصرى" وسيطا الميدان بين الرءوس المدبرة والأطفال * أطفال "التحرير" و"الاتحادية" يهاجمون الأمن والمنشآت مقابل وجبة فراخ! * ناجى: شخص يعطى كل طفل 50 جنيها يوميا وزجاجة فتيل * عبد الله: ابن عمى "بلاك بلوك" يدربنى على تصنيع المولوتوف * إسلام: سيدة تعطينا الطعام والمال لنضرب قوات الأمن * باحثة اجتماعية: 5 أشخاص يستقلون سيارة جيب طالبوا الأطفال بضرب "الاتحادية"! * "القومى للطفولة والأمومة": 73% من أطفال "التحرير" يتم استغلالهم سياسيا * سوسن فايد: البعض يستغل سذاجة الأطفال وجهلهم وحاجتهم للمال كشفت دراسة استطلاعية حديثة أجراها المجلس القومى للطفولة والأمومة، حول استخدم الأطفال بميدان التحرير فى أعمال العنف ضد قوات الشرطة والتخريب للمنشآت العامة والخاصة، عن أن 73% من هؤلاء الأطفال يتم استغلالهم سياسيا، والتأثير عليهم من بعض الأطراف، للمشاركة فى الأحداث السياسية، والقيام بأعمال التخريب وإثارة الشغب، وإيهامهم بأنهم أبطال وشهداء يؤدون واجبا وطنيا. وأشارت الدراسة إلى أن مشاركة أطفال الشوارع فى الأحداث يعود إلى عدة أسباب؛ حيث إن نسبة 22.5% منهم يشاركون فى العنف للحصول على الطعام، و16.1% للحصول على المأوى، بينما يشارك 33.3% منهم للفضول ومشاهدة ما يجرى، و9.4% بهدف السرقة، أما 18.7% فيشاركون للعب. وللوقوف على مزيد من الحقائق حول هذا الموضوع، قامت "الحرية والعدالة" بجولة فى ميدان التحرير، للاقتراب من هؤلاء الأطفال، ورصد الواقع الذى يعيشونه، فى محاولة لقياس مدى صحة ودقة ما كشفت عنه الدراسة، من قيام البعض باستغلال براءة هؤلاء الأطفال وسذاجتهم، بحكم أعمارهم الصغيرة، لتحقيق أهداف وأغراض ومصالح شخصية، دون الاكتراث بمصير هؤلاء الأطفال، والزج بهم فى أحداث العنف. 50 جنيها ووجبة فراخ!! عند الصينية الشهيرة الموجودة بوسط ميدان التحرير، جلس ناجى محمد، 15 سنة، برفقة اثنين من زملائه، وعيونهم شاردة، تراقب المترددين على الميدان، تقدمت إليه وسألته عن سبب وجوده بالميدان، فقال: إنه موجود فى الميدان منذ أكثر من شهر، بعدما هرب من المنزل، بسبب المعاملة السيئة من زوج أمه. وأضاف: إن هناك شخصا –قال: إنه لا يعرفه- يأتى أحيانا ويمدهم بالطعام الذى يكون فى الغالب فراخا، حتى إنه فى إحدى المرات وزع هذا الشخص علبا "افتكرت فيها رز وفراخ لكن لقيتها فول". وتابع محمد، الذى يطلقون عليه "قائد الأطفال المشاغبين"، قائلا: "بصراحة فى ناس بتيجى تدى كل واحد فينا 50 جنيها، ويعطونا زجاجة الفتيل، وهؤلاء حين يشيرون إلينا على أى سيارة، نتوجه نحوها لنرمى بداخلها الفتيل والمولوتوف ونتركها تحترق ونجرى، ويقوم هؤلاء الأشخاص بتصويرنا، ونحن نقوم بذلك ويتركونها مع قائدنا فى الميدان، ويدعى "أطلسى"، الذى يخبرنا بدوره أنه يحتفظ بها للذكرى. سألته من يكون الأطلسى؟!، فأجاب قائلا: "الأطلسى ليس طفلا، ولكنه شخص كبير فى السن، ووراءه الكثير من الأشخاص، فحين يقول (هجوم) تجد جميع الأطفال بالميدان تجمعوا لينفذوا تعليماته، كما يوجد شخص آخر يدعى حمادة المصرى معروف ب(كبير الميدان)". والتقط زميله، أحمد مصطفى، 14 سنة، أطراف الحديث، ليضيف: إنه نزل لميدان التحرير منذ الذكرى الثانية للثورة، وهناك تعرف على أطفال كثيرين فى عمره، وهو غالبا لا يشارك فى أى مليونيات أو أى مظاهرات، إلا إذا كان بها ضرب؛ حيث يجد هناك من يشجعهم، وأنه يجد كل من حوله يقول له: "انت بطل". ميليشيات "بلاك بلوك" "ابن عمى من البلاك بلوك الأساسيين، وهو اللى علمنى إزاى أعمل المولوتوف وإزاى أرميه، لأننا عارفين لو مُتنا وإحنا عند الداخلية هنموت شهداء"، جاءت تلك الكلمات على لسان عبد الله محمد سعد، الذى لم يتخط عمره 13 عاما، ويتردد على الميدان بشكل شبه يومى فى أيام إجازته من الظهر حتى صلاة العشاء، مضيفا أن أى أحداث ضرب يكون بالفعل موجودا فيها وابن عمه يشجعه على ذلك. ويضيف سعد: "فيه ناس فى الميدان بتقول لنا إحنا بنعمل كدا بعد ما فقدنا الأمل فى الكبار، وإحنا نقدر نولع فى البلد وناخد حقنا بإيدينا". أما أحمد محسن، 16 سنة، فاتخذ من مدخل مترو الأنفاق عند مسجد عمرو مكرم مقرا له، بعدما قرر الوجود فى الميدان منذ شهرين، ويقول: "لم أجد صعوبة فى التكيف والعيش هنا؛ حيث أجد من يوزع الطعام من (كبده- كشرى أو فول) أنا ومن معى"، مضيفا أنه حين تتهالك ملابسه فإنه يتوجه إلى جمعية دار السلام للحصول على غيرها. وعن سبب نزوله الميدان، يقول محسن: إن زوجة والده تريده أن يعمل بعيدا عن والده وتعنفه بشدة؛ لهذا قرر ترك المنزل. وحول أحداث الاعتداء على المنشآت، أوضح محسن أن هناك أشخاصا من "البلاك بلوك" يعلموننا طريقة عمل المولوتوف، ويأمروننا بأن نلقيه معهم على الداخلية ولكن سلاحهم الأول هو "النبل"، وأشار إلى أن هذا تسبب بإصابته فى إحدى المرات بطلق خرطوش فى ظهره وذراعه، وأبدى محسن عدم خوفه مما يقوم به، قائلا: أيام مبارك أصبت بطلق حى فكيف سأخشى الخرطوش. وفى الحديقة المقابلة لمسجد عمل مكرم، التقيت محمد إبراهيم، 17 سنة، الذى أشار إلى أنه موجود فى الميدان منذ الذكرى الأولى لثورة يناير، وأن كل ما يفعله هو الجلوس فى الميدان فقط، ورغم أن كثيرا ما يطلب منه أحد الأشخاص المشاركة فى أعمال الاعتداءات على وزارة الداخلية والمنشآت العامة، مقابل مبلغ مالى ولكنه يرفض. وقال إبراهيم: أما الأكل والشرب فموجود فى الميدان، وهناك من يمدهم به، ولذلك فهو لن يغادر الميدان، خاصة أن جميع إخوته متزوجون ووالدته متوفاة، وقد ترك والده الذى كان يعيش معه بمفرده فى الهرم؛ لأنه كان يعذبه باستمرار -على حد وصفه- ويضربه بالعصا، وأنه كان يعمل على ماكينة "دليفرى"، وأخذتها الحكومة منه؛ لأنه كان يحمل صورة للترخيص. أما إسلام محمد، 16 سنة، الذى يحمل علبة النعناع فى الميدان لبيعه، ورغم ذلك يقول إنه يكون أول الموجودين فى أى أحداث اعتداءات أو ضرب، وإنه يستخدم جميع أنواع الأسلحة من مولوتوف وطوب وفتيل، مضيفا: "بشوف إخواتى الثوار فى الميدان اللى فى سنى بيضربوا فبروح أضرب معاهم، وهناك سيدة تأتى لتوزع الطعام عليهم وتعطيهم فلوس من الوقت للآخر". المحرضون ويكشف حازم خاطر، المتحدث الرسمى باسم حركة "صامدون"، أن هناك شخصا يدعى "ميدو الماجيك" أحد المهتمين بموضوع تجنيد أطفال ميدان التحرير؛ حيث يقوم بتحريكهم عندما يحتاج إليهم، ولذلك يوفر لهم الخيم والسجائر والأكل والشرب حتى يستخدمهم كأداة للعنف. ويضيف خاطر: "هناك خمسة أشخاص مثل ماجيك فى الميدان يعملون لذات الغرض؛ لدرجة أنك تشعر أن هناك من يحركهم، فجميعهم يتبع نفس أسلوب التعامل مع الأطفال"، مشيرا إلى أن تجنيد الأطفال بدأ فعليا منذ اعتصام 7 أغسطس 2012، الذى فضه المجلس العسكرى أول أيام رمضان الماضى، وكان أول استخدام لهم بعد وقف الضرب فى أحداث محمد محمود الأولى، ومن هنا بدأت الفكرة تنتشر فى الميدان، مع العلم أن وقت الضرب يزيد عدد الأطفال من الخارج بأعداد تتراوح من 50 إلى 100 طفل . وعن تصوير الأطفال فى أثناء تنفيذهم الأعمال التخريبية التى يمليها عليهم قادتهم بالميدان، أوضح خاطر أن الهدف منها توثيق ذلك ليتمكنوا من طلب الفلوس من الجهات الأعلى بعد إثباتهم، ويشير إلى أن حمادة المصرى هو أحد الأشخاص المعروفين فى الميدان بذلك. لغز العربية من جانبها، تقول سوسن خليل، الخبيرة فى مجال الإرشاد النفسى: إنها فى الوقت الذى تنزل فيه الميدان لحماية الأطفال من استغلالهم سياسيا بإرسالهم إلى دور إقامة، تقابلها على الجانب الآخر مشكلة أكبر، وهى أنها لا تجد أمامها إلا دور الرعاية النهارية التى تقدم الدعم المادى وكل شىء طوال النهار، فى حين أنها تترك الأطفال يعودون إلى الشارع فى الليل ويكونون عرضة لأى شخص يستغلهم فى أعمال عنف. وأضافت سوسن: إن أكثر الشهادات التى استوقفتها على لسان الأطفال الموجودين بميدان التحرير أن هناك عربية جيب تأتى إلى الأطفال الموجودين بالميدان خصيصا وتعطيهم نقودا، ويقولون لهم: "عاش يا رجالة"، ويطلبون منهم التوجه إلى قصر الاتحادية، لإحداث أعمال عنف هناك، مشيرة إلى أن الأطفال أوضحوا أنهم يتوجهون إلى الاتحادية بالمترو وليس بالسيارات. وتابعت: "هناك شهادة جاءت على لسان طفل آخر قال فيها إن هناك شخصا فى الميدان يجمع أحيانا منهم النقود التى توزعها عليهم السيارة الجيب"، وأشارت إلى أن هؤلاء الأطفال أصبحوا فريسة سهلة لكل من يريد استخدامهم فى السياسية؛ حيث يستغل احتياجهم للمأكل والملبس، أو اللعب على الوتر المعنوى بإقناعهم بأنهم بتلك الأعمال يعدون من الأبطال، فضلاً عن أن البعض منهم يكون كارها أطفال الشوارع ولا يريدون أن يبقوا بالميدان. فى الإطار ذاته، توجد جمعيات أهلية معنية بهذه القضية، بعدما لاحظت تورط أطفال الشوارع فى أعمال العنف والتخريب، وهذا ما تؤكده دعاء رحب، رئيسة الجمعية القانونية والاجتماعية لحماية الطفل، قائلة: "إن استغلال الأطفال فى السياسية بدأ منذ أحداث محمد محمود، حتى الآن، من خلال مدهم بالمال والأكل مقابل تنفيذ مخطط بعض القوى والتيارات السياسية، مستغلين فى ذلك كرههم للشرطة". وأضافت رحب أن مجموعة من أطفال الشوارع الموجودين بميدان التحرير الذين التقتهم الجمعية كشفوا أن هناك من يحضرون لهم الطعام فى صباح كل جمعة قبل أى مليونية، ثم يعاود المرور عليهم فى المساء؛ ليملوا عليهم المطالب التى يجب أن يرفعوها للحكومة ورئاسة الجمهورية، ويتم توجيههم ليكونوا الشرارة الأولى التى تشتعل بعدها الأحداث. وأشارت إلى أن الجمعية أجرت بحثا على 50 طفلا داخل ميدان التحرير؛ بهدف إيجاد مأوى لهم من خلال دور الرعاية التابعة للدولة، وكذلك الجمعيات الأهلية التى يوجد بها مراكز إقامة، وإنقاذ الأطفال من الشارع حتى لا يتم إقحامهم فى السياسة كما حدث فى أحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود والداخلية وأخيرا الاتحادية، وعمل لقاءات مشتركة مع ائتلافات الثورة لتوعيتهم بالخطورة التى يتعرض لها هؤلاء الأطفال داخل الميدان وحمايتهم من الزج بهم ليتصدروا المشهد السياسى. بدورها، أوضحت عزة عشماوى، مديرة وحدة مكافحة الاتجار بالبشر بالمجلس القومى للطفولة والأمومة، أن المجلس يقوم حاليا بإجراء بحث على عينة من الأطفال المشاركين فى الأحداث، فى محاولة لرصد الواقع والكشف عن الرأس المحرك لهم، وأضافت أن معظم الأطفال الذين يتم استغلالهم فى الأحداث السياسية من أطفال الشوارع؛ حيث يتم استغلال حاجتهم إلى المال من قبل بعض الأشخاص الذين يحركونهم لتحقيق أهداف وأغراض سياسية لبعض القوى والتيارات السياسية. وفى تعليقها على استغلال الأطفال فى العنف والتخريب، تقول د. سوسن فايد، أستاذ علم النفس الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن الأطفال الذين يتم استغلالهم سياسيا هم فى المراحل المتأخرة من الطفولة من 11 حتى 13 سنة، وهى شريحة كبيرة فى المجتمع، ويسهل التأثير عليها؛ حيث إنهم يكونون مقبلين على مرحلة المراهقة التى يريدون فيها إثبات ذاتهم، لهذا فمن السهل عندما يقول لهم أحد "انت لو راجل ستفعل كذا" بالتأكيد سيقوم به على الفور. وأوضحت فايد أن الأطفال مجرد أدوات فى يد الرءوس المخربة؛ حيث يستغلون جهلهم لتحقيق مآربهم وتحريضهم بالقيام بأحداث العنف، مستغلين فى ذلك حاجتهم إلى المال، كما أن البعض يقوم بإقناع الأطفال أن الحرق والتخريب هو السبيل الوحيد للحصول على حقوقهم الصحية والتعليمية؛ الأمر الذى يجعل مجموعات كبيرة من أطفال الشوارع تنضم إليهم، مشيرة إلى أن هؤلاء الأطفال يتم تمويلهم فى الميادين التى تقع بها الأحداث من جانب وسطاء لا يكشفون بدورهم عن الرأس الكبير المدبر والمحرك لهم.