منذ 3 سنوات.. مرت شركة تويوتا بأزمة طاحنة نتيجة أخطاء وعيوب فى منتجاتها من السيارات، وحينها سحبت الشركة أكثر من 8 ملايين سيارة حول العالم، بسبب خلل فى "دواسة" السرعة، كما هبطت أسهم تويوتا نحو 23%، أى ما يوازى 30 مليار دولار خلال أسبوعين فقط، وسجلت أدنى مستوى إغلاق فى تاريخها، وعندها توقع البعض أن تلك الأزمة سوف تؤدى فى النهاية إلى انهيارها أو إلى إفلاسها، كما حدث مع منافستها الأولى شركة جنرال موتورز الأمريكية، التى قامت بتسريح أكثر من 20 ألف عامل، بينما توقعت أنا حينها أن الشركة ستتجاوز أزمتها سريعًا، كما تجاوزت أزمات أقوى من ذلك بكثير على مدار تاريخها، والسبب ببساطة يرجع إلى الأسلوب المتميز والثقافة الرائعة التى قامت عليها الشركة، وصارت أسلوب حياة يمكننا الاستفادة منه كثيرًا فى ظروفنا الحالية لتنمية جميع مؤسساتنا سواء أكانت حكومية أم غير حكومية. الدرس الأول الذى يجب أن نتعلمه جميعًا من الأزمة الحالية للشركة هو ثقافة المصارحة والشفافية التى تم التعامل بها، فلم تنف الشركة مسئوليتها عن الخطأ، ولم تتهرب من مواجهة التبعات، بل على العكس من ذلك اعترفت واعتذرت للجميع بشجاعة، صحيح أنها قد تخسر كثيرًا على المدى القريب، ولكن المؤكد أن المجتمع سيصبح أكثر ثقة فى الشركة، وسوف تعود أقوى مما كانت عليه. الطريف أن شركة تويوتا فى نشأتها الأولى لم تكن تهدف إلى صناعة السيارات، وإنما كانت تعمل فى مجال صناعة الغزل، حيث بدأت القصة مع "ساكيشى تويودا" الذى اخترع (النول) الأوتوماتيكى، وأسّس فى عام 1933 "تويودا لأشغال النسيج"، ولكنه طلب من ابنه "كيشيرو" السفر إلى الولاياتالمتحدة ودراسة صناعة السيارات، لم يكن ذلك بهدف زيادة ثروة العائلة، إنما أراد أن تكون لابنه فرصة تقديم مساهمة إلى المجتمع وإضافة الجديد إلى العالم، وما هى إلا سنتان حتى أنتج أول نموذج من السيارات، ولم يردع وجود مصانع للسيارات الأمريكية فى اليابان "تويودا" عن خوض غمار التحدى، لتسمى شركة تويوتا على اسم مؤسسها، ولكن بتغيير الحرف الأخير تأكيدًا على الفصل بين العائلة والعمل، وترسيخًا لمبدأ التخصص والاحترافية. بنهاية الحرب العالمية الثانية، كانت معظم المنشآت الصناعية اليابانية قد تحطمت، وعانت مصانع إنتاج تويوتا من صعوبات كبيرة، لكن ذلك لم يثنها عن المثابرة وإثبات قوتها فى إعادة الإعمار والنهوض فى مرحلة ما بعد الهزيمة، وبدأت فى الاهتمام بإنتاج السيارات الصغيرة، فى حين كانت مصانع السيارات الأمريكية تركز على السيارات الكبيرة والشاحنات، ولكن الشركة وقعت فى الكبوة التالية وذلك فى عام 1949، حين تعرضت لنكسات داخلية بسبب الأزمة المالية التى ضربت البلاد، فتدهورت أوضاع الشركة، وعانت أزمة سيولة حادة، مما اضطرها إلى تسريح عدد كبير من الموظفين وتخفيض الإنتاج، لتجد تويوتا نفسها على وشك الإفلاس، بيد أن الشركة نفذت عملية إعادة هيكلة كبيرة وشاملة، وبذلت المزيد من الاستثمارات فى مرافق التصنيع والمعدات التقنية الحديثة، وإعطاء الأولوية لجهود البحث والتطوير، حيث بدأت فى تنفيذ أفكار وأساليب إدارية جديدة ومتميزة، أخذت فى التطور والنمو شيئًا فشيئًا، وأصبح اسم تويوتا مرادفًا لمدرسة خاصة فى علم الإدارة تضمن أعلى معايير الجودة، وتحولت بمرور الوقت من شركة نسيج صغيرة الحجم ومغمورة، إلى شركة سيارات عملاقة متعددة الجنسيات تملك 42 مصنعًا حول العالم، وبحلول عام 2007 أصبحت هى الشركة الأكبر فى مبيعات السيارات والأعلى ربحًا على مستوى العالم، حيث وصل صافى ربحها ما يزيد عن 13 مليار دولار، وبنهاية العام الماضى استطاعت تويوتا أن تقلب الآية وتعيد الصفعة للولايات المتحدة، باستحواذها على الحصة الأكبر فى السوق الأمريكى للسيارات، مزيحة بذلك شركة جنرال موتورز الذى احتلت المركز الأول لعقود كاملة، ولا تزال لدى تويوتا العديد من الخطط الطموحة لتحطيم الأرقام العالمية فى الجودة والإنتاج. إن قصة نجاح وصعود تويوتا إن دلت على شىء فإنما تدل على أن الرؤى والأحلام البسيطة يمكن أن تتحول بمرور الزمن إلى نجاحات عملاقة بكل معانى الكلمة، إذا توافرت فى أصحاب تلك الرؤى الإرادة والطموح والاهتمام بالجودة والإتقان وجعلهما غاية فى حد ذاتهما وليسا مجرد وسيلة لتعظيم الأرباح، ما يهمنا هو النموذج الذى قدمته لنا تويوتا فى ثبات القيادة، والقيم التى تتجاوز مكاسب المدى القصير، وعلى الرغم من أن كل مؤسسة وكل إنسان يجب أن يوجد لنفسه أسلوبه الخاص وبصمة مميزة فى الحياة، إلا أن فهم أسلوب تويوتا يمكن أن يكون خطوة عملاقة فى تلك الرحلة. ولكن.. ما أهم ملامح ذلك النجاح؟ وكيف يمكن أن ننقل هذا النجاح إلى حياتنا أفرادا ومؤسسات؟ هذا ما سوف نتناوله بالتفصيل فى الأسبوع المقبل إن شاء الله.