كمّ هائل من الكراهية انتشر بين المصريين هذه الأيام، سبقه وتبعه كمّ هائل من الأكاذيب ونشر قصص مختلقة وأخبار كاذبة لا أصل لها.. لا تفتح صفحتك على فيس بوك يوميا، إلا ويصيبك اكتئاب وإحباط وغضب شديد؛ بسبب هذا الكم من الشتائم والألفاظ القذرة التى تنفجر مثل بالوعة المجارى، تقال من البعض ضد مخالفيهم السياسيين بوعى أو دون وعى وتجرح المشاعر، حتى بات البعض يسأل خصوصا من الإسلاميين الذين ينالهم حظ أكبر من الشتائم: لماذا كل هذه الكراهية حتى ولو أخطأ البعض؟! وللأسف لا يسلم من هذا جاهل أو مثقف؛ فالكل سواء ينقل بجهل ودون وعى ما يصله عن خصومه السياسيين ويعيد نشره على الملأ دون أن يتأكد من صحة ما ينشره حتى ولو كان يتناول أعراض سيدات. زميلة صحفية من أنصار حمدين صباحى أرسلت مثلا رسالة عبر حسابها على فيس بوك تطعن فيها فى إحدى قيادات الإخوان النسائية بصورة فجة لا يجوز أن تصدر من سيدة، فضلا عن صحفية يفترض فيها أن تدقق فيما يصلها من أخبار، وعندما علقت قائلا إن هذا لم يحدث وإنه خبر كاذب ولا يجوز أن نبنى على الكذب كذبا وسبا ونخلق كراهية لا لزوم لها، وجدت آخرين يتسابقون لنشر هذا دون تدقيق فيما يقال، وآخرون ساءهم هذا الكذب وطالبوا كل من يصله شىء عبر فيس بوك أن يدقق فيه ولا يعيد نشره بجهل كما هو. صحفى آخر من التيار نفسه كان رئيسا لتحرير صحيفة قومية، وتولى رئاسة تحرير صحيفة خاصة تمويلها مشبوه، قال لى زملاء محترمون فى الجريدة إنه يحرص من توليه رئاسة هذه الصحيفة على نشر أكاذيب وتحريض فج ضد الرئيس والإخوان فى مانشيتات الجريدة بداعٍ ودون داعٍ حتى أغضب هذا بعضهم؛ لأنه يخالف المهنية والمصداقية، فتم تهديدهم بطرق مختلفة للصمت!. وهذا ناهيك عن كم الكذب والتلفيق فى الفضائيات.. فالطفل الشهيد بائع البطاطا الذى قتل خطأ على يد جندى من الجيش قرب السفارة الأمريكية سجلت له إحدى الفضائيات قبل وفاته قوله إن أبيه متوفى، ولكن الأخ (محمود شعللها) جاء بأب مصطنع للطفل فى الاستوديو لكى ينتقد الرئيس مرسى!!.. والأخ "خيرى" وجد خطة لعب عيال كتبها بعض الشباب الضائع على فيس بوك لاقتحام القصر الرئاسى، فجلبها من غيابات العالم الافتراضى وروج لها بشكل تحريضى فى برنامجه على أنها واقع.. وغيرهم كثير. جزء من هذا التحريض ونشر الكراهية -ومن ثم العنف- يتحمل مسئوليته صحف رجال الأعمال الخاصة الجديدة المشبوهة التى تنشر يوميا كمّا هائلا من الأكاذيب والتلفيق وفق أجندة لا يمكن أن تكون بريئة إطلاقا.. وجزء منه يتحمله عناد بعض السياسيين من جبهة الخراب الذين لم يقدموا أى شىء للثورة أو لمصر سوى الرفض ثم الرفض ثم الرفض ثم زيارة الدكتاتور بشار الأسد!. وهناك جزء آخر يتحمله النظام السابق، وهو ما أكدته دراسة شاركت فيها عام 2009 مع 19 من أهم خبراء وباحثى مصر التربويين والسياسيين والإعلاميين بعنوان "نحو نسق إيجابى للقيم الاجتماعية يحلق بالمصريين إلى أفق الرؤية المستقبلية لمصر 2030". فأخطر ما حذرت منه هذه الدراسة هو ما أسماه الخبراء "انقلابا صادما فى منظومة القيم المصرية المتعارف عليها والتى حفظت قوام الشخصية المصرية: من نخوة وشهامة واعتدال وتسامح وأريحية وإيثار ونجدة ودقة وإتقان وتفان، وتتسلل قيم سلبية غريبة مثل الكراهية والنفعية وعدم المواطنة تفرض ضغوطا على تحقيق أية خطط حالية أو رؤى مستقبلية لمصر. الدراسة قالت صراحة إن هذا الانقلاب فى قيم المواطن المصرى انعكس على غياب العديد من القيم النبيلة وحلول قيم سلبية محلها وأن هناك تغيرا محسوسا طرأ على بنية الإنسان المصرى فى الخمسين عاما الأخيرة، تمثل فى التحلل من بعض قيمه الأصيلة التى تميز بها، مما زاد من السلبيات بشكل واضح حتى أصبحت تشكل ظواهر عامة فى كثير من الأحيان. رسالتى لهؤلاء الذين ملأتهم الكراهية حتى أصبحوا يكرهون بلدهم ويشجعون حرقها وخرابها بزعم أنها "أعمال ثورية" هى باختصار أن من يزرع يحصد.. والكراهية التى يزرعونها سيحصدونها.. والعنف الذى يدعمونه ويفرحون به قد يرد عليهم غدا.. والشرطة التى تباهون بضربها اليوم ستتخلى عنهم عندما يحتاجونها وقت انتشار الفوضى.. وكما تدين تدان!.