الآن: بعد أن أتمت الجمعية التأسيسية عملها في وضع الدستور، وقيامها بتسليمه إلى رئيس الجمهورية، ودعوته الشعب إلى الاستفتاء عليه، لابد لنا من وقفة مع ما تعرضت له من أكاذيب من قبل وسائل "القصف الإعلامي"، منذ أن بدأت عملها في يونيو 2012، لمدة ستة أشهر، حتى إتمامها المهمة، أواخر نوفمبر الماضي. لقد ظهر على الساحة، مع بدءأعمال الجمعية، "صحفيو وإعلاميو الخلاف والانقسام".. أولئك الذين روجوا دوما لفكرة وجود "خلاف في التأسيسية"، أو: انقسام بين أعضائها، أو أنها مهددة،أو أنها في خطر، وهكذا دواليك من المعالجات التي روعت المواطنين، وقدمت صورة شائهة للجمعية، بحثا عن الإثارة. ومن أسف أن أعضاء بالجمعية شاركوا في هذا التشويه المتعمد، وإظهار الجمعية منقسمة على نفسها، وأن الخلافات تكاد تعصف بها، كما استخدمته قوى سياسية (ينتمي إليها المنسحبون منها) في شن حرب ضروس عليها، ومحاولة إسقاطها سياسيا، وجماهيريا، لمآرب خاصة. حدث هذا برغم أن الخلاف داخل الجمعية أمر طبيعي، نظرا لتنوع الآراء، وتباين المشارب، واختلاف وجهات النظر. وقد أدى هذا النمط السلبي في التغطية الإعلامية (الأحادية) لأعمال الجمعية إلى إغفال جوانب إيجابية في المشهد، اقتضت الموضوعية والنزاهة الإشارة إليها، لتحقيق التوازن والإنصاف في المعالجة، والابتعاد عن التحيز والانتقائية والشخصنة، مما أدى إلى بلبلة الرأي العام. وقد تسبب هذا الأداء الإعلامي غير المهني في شعور غالبية أعضاء الجمعية -طوال الوقت- بالمرارة، وخيبة الأمل، فضلا عن استهدافهم الشخصي، كأنهم يأتون بدعا من القول، على الرغم من عملهم يأت في أجواء غير محفزة، وبرغم ما بذلوه من جهود وافرة، إذ أوقفوا أعمالهم وحياتهم للجمعية، متطوعين بدون أجر، أو كلمة شكر، أو لمسة تقدير، من هذا الإعلام. وفي هذا السياق، كان لافتا انتقاد رئيس الجمعية المستشار حسام الغريانى، في اجتماعها يوم الثلاثاء 7 أغسطس 2012، ما اعتبره "الإعلام غير الصادق"، مهاجما "الذين يتاجرون بالكذب من العاملين فى وسائل الاعلام"، مشيرا إلى أن وقائع الكذب لدية عديدة. ولعله يأتي ضمن تلك الأكاذيب ما راج من شائعات حول تضمين مشروع الدستور أمورا معيبة، كزواج الطفلة ذات التسع سنوات، مما أثار سخرية أعضاء الجمعية ورئيسها في جلستها الختامية من ذلك. والأمر هكذا، حاول عدد من أعضاء الجمعية التصدي لتلك الأكاذيب، فقال الدكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة وعضو لجنة الاقتراحات والحوارات المجتمعية بالجمعية إن ما نشر من مقترحات للنقابات والمؤسسات على أنها مواد انتهت منها الجمعية عار من الصحة. وهاجم الدكتور محمد البلتاجى رئيس اللجنة صحيفة "المصرى اليوم"، بسبب تصريحات نسبتها له يوم 13 ديسمبر 2011، تقول :"البلتاجى: البرلمان سيتسلم السلطة من العسكرى، ويضع الدستور.. مشروع الإخوان للدستور: دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية"، واصفا الخبرين بالكذب، والتلفيق. وقال:"محرروا الجريدة يفبركون عن مصادر وهمية أو بإسقاط كلمات من سياق الكلام". العجيب أن سيل الأكاذيب حول الجمعية لم يتوقف حتى بعد انتهاء عملها، إذ ترددت شائعات كاذبة قبل أيام على موقع "فيس بوك" تقول إن المستشار حسام الغرياني هو حفيد "شارف الغريانى" الذى سلم عمر المختار للطلاينة، لكنه هرب إلى مصر خوفا من أن يقتله الليبيون"! والأمر هكذا، حاول إعلاميون وسياسيون مخلصون التنبيه إلى الجريمة التي يرتكبها الإعلام بموقفه السئ من الجمعية. وكتب الإعلامي (المنسحب لاحقا من الجمعية) فاروق جويدة مقالا بجريدة "الأهرام"، بعنوان :"التأسيسية.. شهادة للتاريخ"، قال فيه إنه لم يشارك في الجلسات الأولي (للجمعية الثانية) حتي تبدو ملامح الصورة، تأثرا بمحاولات تشويه الجمعية الأولي، وما أصابها من عوار ثم الهجوم الكاسح علي الجمعية الثانية من بعض القوي السياسية، والإعلام. وأضاف : قررت اليوم أن اقدم شهادتي أمام من يهاجمون الجمعية، ويشككون في أدائها، ويسيئون للمشاركين فيها؛ لأننا الآن أمام إنجاز حقيقي تم بالفعل في إعداد مشروع الدستور. وتابع حديثه:"كنت في أحيان كثيرة، وأنا أشارك في المناقشات؛ أشعر بأنني أعيش في جزيرة بعيدة عن مستنقع إعلامي مشبوه شوه كل شيء، وأهدر كل قيمة، ومن أراد أن يري وجها مصريا مشرقا يعمل في صمت وبلا صخب أو ضجيج فليذهب إلي لجان إعداد الدستور لأن فيها شيئا يستحق الإشادة والتقدير". وتابع: "إذا سار إيقاع الجمعية بلجانها المتعددة بهذه الحماسة وهذه الروح التي جعلت قاعات مجلس الشوري مثل خلايا النحل فسوف تنجز هذه الجمعية مشروع دستور علي درجة كبيرة من التميز والخصوصية يليق بنا شعبا ووطنا ومكانة". الآن، والدستور بين يدي الشعب، يجب على الإعلام المصري الاعتذار للجمعية، وتقديم الشكر لها، ولأعضائها الشرفاء الذين واصلوا الليل بالنهار، من أجل نقل مصر الي دوله دستورية، تتمكن من بناء مؤسساتها المنتخبة، كي تنتقل إلى مرحلة الاستقرار الدستوري والتشريعي، وصولا إلى تنفيذ مطالب الثورة في الرفاهية والتقدم.. فهل يفعل؟ [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد