قبل عامين توجه الآلاف بشكل لا إرادى إلى قصر الاتحادية مطالبين بشكل سلمى -وليس بالمولوتوف كما يحدث الآن- برحيل مبارك، وما أن وصلنا إلى محيط القصر مع غروب شمس يوم 11 فبراير حتى بلغنا خبر التنحى، وعلمنا أن المخلوع قد سبق ذلك الإعلان بالفرار إلى شرم الشيخ، كان ذلك أعلى درجات زلزال الثورة حين حققت أهم مطلب لها، وهو إسقاط الرئيس ومعه عدد كبير من حاشيته وأركان حكمه. بعد عامين من ذلك الزلزال تواصلت توابعه وهزاته الارتدادية، وهو أمر طبيعى بعد كل زلزال، كانت بداية التوابع بالاعتصامات الفئوية التى عمّت معظم الشركات والمصالح عقب التنحى مباشرة، ثم المصادمات الطائفية فى أطفيح ومن بعدها إمبابة وقنا وأبو قرقاص، وأحداث ماسبيرو ومحمد محمود الأولى والثانية، والعباسية، وانتهاء بصدامات الاتحادية المتكررة والممنهجة منذ إقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود فى 22 نوفمبر الماضى وحتى الآن. فى اعتقادى أن مصادمات يوم الاثنين الماضى أمام قصر الاتحادية وبعض المحافظات، ربما تكون نهاية هذه الموجة من العنف المفرط الذى جرى بغطاء سياسى كامل من جبهة الإنقاذ والتيار الشعبى على وجه التحديد. الذين يمارسون الآن العنف والتخريب بعصبية بالغة بحجة أن الثورة لم تحقق أيا من أهدافها ومطالبها، يريدون من الشعب أن يلغى عقله، وأن يصدق هُراءهم، وكأنهم يتحدثون عن مصر أخرى وثورة أخرى غير ثورة 25 يناير، لقد كان للثورة مطلب عاجل هو إسقاط الرئيس ونظامه، وعبّر الثوار عن ذلك بهتاف "الشعب يريد إسقاط الرئيس" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، وقد تحقق هذا الهدف العاجل، فسقط الرئيس وكبار مساعديه، وتم تقديمهم لمحكمة لأول مرة، وقبعوا خلف القضبان، وسيتم إعادة محاكمتهم مرة أخرى قريبا مع توفر المزيد من أدلة الإدانة ضدهم، وحل مكانهم رئيس مدنى منتخب لأول مرة فى تاريخ مصر مع التخلص من الحكم العسكرى الذى استمر 60 عاما. وكما كان للثورة هدف عاجل هو إسقاط النظام، كانت هناك مجموعة أهداف إستراتيجية أخرى لخصتها شعارات "عيش – حرية – عدالة اجتماعية"، وهى مطالب يستغرق تنفيذها بعض الوقت، وتحتاج إلى توفير الأمن والاستقرار، وقد تحركت الثورة لتحقيق هذه الأهداف لكن قوى الثورة المضادة المتضررة من الثورة، مع جزء من قوى ثورة يناير ممن يئسوا من المسار الديمقراطى، تعاونوا أحيانا بشكل غير مباشر وأحيانا بشكل مباشر وصارخ لتعطيل مسيرة الثورة ومنعها من تحقيق هذه الأهداف حتى لا ينسب هذا النجاح لخصومهم السياسيين. ومع ذلك، حققت الثورة نجاحا مبهرا فى مجال الحريات العامة، وعلى رأسها حرية التعبير، سواء بالقول أو الفعل أو الكتابة أو التظاهر والاعتصام أو الانتخاب، وحرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف بمجرد الإخطار، وحرية التنقل والسفر دون قوائم ترقب وانتظار، وحق التقاضى أمام القاضى الطبيعى... إلخ، ومع ذلك تتعرض هذه الحريات الآن لقيود من المعارضة وليس من السلطة، فحق العمل والتنقل يتعرض للانتهاك يوميا عبر إغلاق الطرق والكبارى ومجمعات الأعمال الحكومية من قِبل بعض المتظاهرين المسلحين. أما الهدفان الكبيران الآخران، وهما العيش والعدالة الاجتماعية، فقد تحقق منهما القليل حتى الآن؛ نظرا لغياب الأمن والفوضى المنظمة التى تقودها بعض الميليشيات السياسية المسلحة وغير المسلحة، ولنتذكر أنه مقابل أزمة السولار التى تعانى منها الكثير من المحافظات حاليا، هناك اختفاء لأزمة أسطوانات الغاز، وهى الأزمة التى كانت تحدث بشكل متكرر فى موسم الشتاء من كل عام، وفى مقابل أزمة نقص الخبز هناك جهود مثمرة على مستوى عدالة التوزيع عبر تخصيص كمية محددة ما بين 3- 5 أرغفة لكل مواطن من الخبز المدعم "(الذى يباع بخمسة قروش رغم أن تكلفته تبلغ 34 قرشا"، علما بأن هناك كميات وفيرة من الأنواع الأخرى للخبز، سواء من فئة العشرة قروش أو 25 قرشا، ولهذه الأسباب اختفت فى الآونة الأخيرة ظاهرة الاقتتال فى طوابير الخبز، كما اختفت الطوابير ذاتها فى العديد من المناطق، وعلى مستوى العدالة الاجتماعية تم تثبيت الآلاف من العمالة المؤقتة، وإعفاء الفلاحين من المديونيات الصغيرة لبنك التنمية الزراعية دون العشرة آلاف جنيه، وعلى مستوى مكافحة الفساد تم استرداد آلاف الأفدنة على الطرق الصحراوية من رجال أعمال النظام السابق، الذين حصلوا عليها بثمن بخس، كما يجرى الآن ملاحقة قيادات فاسدة أخرى، ورد ما نهبوه أو أهدروه من أموال الشعب فى هدايا ومكافآت غير مشروعة. من حق الشعب أن ينعم بثمار ثورته، وأن يجنى حصاد نضاله، ومن هنا وجب على القيادة السياسية التركيز على المطالب الشعبية الحقيقية فى العيش الكريم والعدالة الاجتماعية، وحتى يمكنها تحقيق ذلك ينبغى أولا فرض الأمن والاستقرار حتى تتحرك عجلة الإنتاج وتعود الثقة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وساعتها سيشعر المصريون بخيرات الثورة.