* د. محمد شحاتة: تستهدف استدراج الإسلاميين للخروج عن السلمية * د. محمد الجوادى: رموز النظام السابق يرصدون المليارات لضرب الثورة * أسامة صدقى: الدولة مطالبة باتخاذ التدابير اللازمة لاجتثاث الميليشيات الإجرامية طرف ثالث، عناصر مندسة، وأخرى إجرامية.. أطراف دائما ما كانت تشير إليها أصابع الاتهام فى أثناء وعقب أى مظاهرة تفقد سلميتها، وتتحول إلى معركة دامية لا تخمد إلا بسقوط جرحى وشهداء.. ولكن أحداث بورسعيد انفردت بظهور مليشيات جديدة مسلحة بأحدث وسائل الهجوم والدفاع، مدربة على الحرق والهدم والتدمير تمتلك أسلحة قتالية غير تقليدية تجاوزت حدود الأسلحة الخفيفة إلى نظيرتها الثقيلة كالجرينوف والذخيرة متعددة الطلقات، فضلا عن الطبنجات الحديثة، بالإضافة إلى ابتكار أسلحة شعبية أيضا غير تقليدية منها "النار الإغريقية" وهو التطور التقنى للمولوتوف. وما ترتديه هذه المليشيات من أقنعة ليس مجرد أقمشة تخفى وجوههم فقط وإنما هى أقنعة من طراز خاص تسمى الأقنعة المانعة المصنوعة من طبقات السلك السميك أو المعدن تحميهم من قذائف الخرطوش والحجارة. علامات استفهام كثيرة مثارة حول ارتباط ظهور هذه المليشيات بالذكرى الثانية للثورة ومصادر استقوائها وتمويلها.. علما بأن أول من بارك ظهور هذه المليشيات فى مصر بعض الحركات السياسية الأمريكية التى تتسم سلوكياتها بالعنف، ومنها "حركة الأناركيين المتطرفة" التى أشاد زعيمها بظهور هذه المليشيات مؤكدا دعمه لها. ونقلت عنه صحيفة "نيورك تايمز" قوله: هؤلاء الشباب تجاوزوا مجرد الرسوم وكتابة الحوارات الصغيرة على الجدران فى مصر، وخرجوا إلى الحياة فى القاهرة، ليعلنوا عن أنفسهم كقوة جديدة فى الثورة، بإلقاء القنابل الحارقة على المؤسسات والمقرات، ومنها مقرات الإخوان المسلمين. فى البداية، يؤكد د. محمد شحاتة -أستاذ القانون الجنائى، جامعة الإسكندرية- أن ظهور عدد من المليشيات على الساحة السياسية بعد عامين من الثورة بهذا القدر من التنظيم والتسليح يؤكد -بما لا يدع أى مجال للشك- حجم ما يرصد من أموال طائلة لتمويل هذه المليشيات، معتبرا أنها تمثل إحدى وسائل قوى الثورة المضادة المستحدثة من أجل استمرار حالة البلبلة والعنف فى الشارع المصرى. وأكد أن الهدف الأول لظهور هذه المليشيات هو استفزاز واستدراج التيارات الإسلامية للخروج عن الإطار السلمى الذى انتهجته منذ بداية الثورة والدخول فى صراع سياسى دموى بما يكرس فى الأذهان فكرة إرهاب الإسلاميين، الذى يمثل أحد الركائز التى تعتمد عليها القوى العلمانية فى إقصاء التيار الإسلامى بعدما عجزت عن تشويهه طوال الفترة الماضية. وأشار إلى أن القارئ الجيد للمشهد يستطيع أن يدرك حقيقية الجهات الممولة لهذه المليشيات وغيرها من عناصر البلطجة، التى تتعدد ما بين جهات خارجية كانت ولا تزال متربصة بمصر ساندتها قوى داخلية أخرى رافضة الوجود الإسلامى وإن اختلفت أيدلوجياتها، بالإضافة إلى أموال عربية تنفق فى هذا الصدد من قبل دول تعد نجاح الثورة المصرية خطرا يهدد عروشها. وأضاف شحاتة أن تحطيم فكرة الثورة المباركة هدف توحدت عليه كل هذه القوى المضادة للثورة من خلال تحويل كل ذكرى للثورة من احتفالية حقيقية تليق بحجم ما أنجزته الثورة من أهداف؛ على رأسها إزالة نظام فاسد، واسترداد الشعب للحرية التى سلبت منه على مدار ثلاثين عاما، إلى ذكرى سوداوية مقترنة بالدم حتى يشعر المواطنون بخيبة الأمل. صراعات داخلية من جهته، أكد محمد الجوادى -الكاتب والمؤرخ لقضايا الأمن القومى- أنه لم يعد يخفى على أحد مصادر تمويل هذه الميليشيات التى اتخذت بعض المسميات الخاصة بها مثل "البلاك بلوك"، وأن أول مصادر التمويل لهؤلاء هم رموز النظام السابق فى الخارج الذين يرصدون المليارات من أجل إعادة النظام أو على أقل التقديرات قطع الطريق على الثورة حتى لا تكمل أهدافها. وأشار إلى أن هذه المليشيات تمثل إحدى أهم الأدوات الجديدة الداعمة لرافضى الحضور الإسلامى على سدة الحكم، ومن ثم فهم يدعمونها ويدافعون عنها ويلبسونها ثياب الثورة، حيث إن منهم من يمولها ويدعمها بكل ما أوتى من مال لأنهم يعتبرونها أهم الدعائم المساندة لهم فى قلب نظام الحكم. وطالب الجوادى بضرورة الضرب بيد من حديد على مثل هذه العناصر الإجرامية ليس لكونها تمثل فى حد ذاتها خطرا وإنما لأن استمرارها قد ينذر بأخطار حقيقية مثل إشعال الحروب والصراعات الداخلية. الاستقواء بالخارج واتفق مع الآراء السابقة أسامة صدقى رئيس اتحاد محامين بلا حدود، الذى أكد أن هناك ربطا واضحا بين ما تقوم به قوى المعارضة فى الآونة الأخيرة من محاولات إشعال الفتن وتأجيجها وبين ما طفا على سطح الساحة السياسية من ممارسات وحشية من قبل بعض المليشيات المسلحة، وهو ما يؤكد أن هناك صلة وطيدة بين الطرفين، ولهذا الأمر أدلة كثيرة أهمها أنه لم يخرج أى تصريح من قبل هذه القوى يدين أعمال العنف الدموية التى شهدتها البلاد فى الذكرى الثانية للثورة، خاصة ما وقع على أرض بورسعيد. وتابع صدقى: أن منهم من استقوى بهذه الأعمال الإجرامية واتخذها وسيلة لإرهاب الدولة من خلال استخدام لهجة التهديد والوعيد فى تصريحاتهم السياسية. وأضاف أن هذه الميليشيات عليها علامات استفهام كثيرة من حيث ما تستخدمه من أسلحة متطورة منها بندقية "شوجن"، وهى من الماركات المتطورة غالية السعر، فضلا عن أنها منظمة وتتحرك بناء على مخططات مدروسة، كل هذا يوحى بأن هناك أيادى محركة وأموالا مرصودة لها، وهو ما يتطلب من الدولة اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواجهة هذه المليشيات الإجرامية. وتابع: إن ما ارتكبته بعض عناصر هذه الميليشيات من أعمال عنف مصور بالصوت والصورة عبر وسائل الإعلام، ويقتضى محاكمتهم، مؤكدا أنه لم يعد هناك مكان للأيدى المرتعشة فى مواجهة هذا الأمر؛ لأن التراخى فى المواجهة سيسهم فى استقوائهم من الداخل والخارج. منظمات الفتنة من جانبه، أكد حمدى طه -عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب السابق- أن هناك أهدافا متعددة وراء ظهور مثل هذه الميليشيات الإرهابية، وأنه لا يقتصر وجودها على مجرد زعزعة استقرار المجتمع من خلال ممارسة أعمال الشغب والبلطجة تحت مسمى الدفاع عن الثورة كما حدث مؤخرا فحسب، بل إن لديها أهدافا أخطر من ذلك؛ هو تأجيج الصراع الطائفى، حيث إن ما يتم تداوله عبر شبكات الإنترنت هو أن زعيم حركة "البلاك بلوك" أحد الأقباط المتشددين والراغبين فى كسر شأفة الوجود الإسلامى فى البلاد، ويتلقى تمويلا ماديا كبيرا من دول غربية. وأكد أن هذه الأخبار الاستفزازية من شأنها إحراق البلاد كاملة، وأن هناك منظمات داخلية تابعة للدول الغربية لا تزال تعمل بكامل طاقتها فى إشعال مثل هذه الفتن وتقوم بتدريب هذه العناصر على ممارسات إجرامية تصب فى مصلحة البلاد الممولة لها. وأضاف أنه قد حان الوقت الذى يقوم فيه جهاز الأمن الوطنى بدوره الحقيقى فى كشف جميع هذه التشكيلات العصابية وكل من يؤيدها من أجل حماية البلاد مما يحاك ضدها من مخططات يقودها أعداء الثورة فى الداخل والخارج.