ننحنى إكبارًا، ونحن نرى الدور الذى يلعبه بعض أفراد جهاز الشرطة فى محاولات فرض الأمن، ونقرّ بما يقدمونه من تضحيات قد تصل إلى بذل الأرواح. كما نتوارى خجلًا أمام أبعاد المؤامرة اللاأخلاقية فى الجهاز الإدارى للدولة، ومحاولات التضييق والإرهاق للمواطنين، حتى ييأسوا ويقنطوا من أمر الله وقدره واختياره، وهذا ليس بجديد على الجهاز الذى شبهه البعض فى منتصف التسعينيات بديناصورات عصور ما قبل التاريخ، إذن الموجود ليس شابًّا غادر المهد لكنه هرم بلغة المشيب. حينما تقف فى محطة مصر (رمسيس العتيقة) عصرًا لأيام وتبدو لك مهجورة بلا قطارات ولا صخب إلا من كتل بشريه هائلة غارقة فى الدهشة قبل أن يبدأ دخول القطارات المتأخرة تتهادى فى نفس التوقيت، فاعلم أن هناك خللا. وحينما لا تجد مسئولًا بالمحطة يجيب عن تساؤل: ما سبب التأخير وإلى متى، أو يبدى اعتذارًا، أو يلوح بتبرير، فاعلم أن هناك خللا وتربصا بآدميتك وثورتك. لكن على الجانب الآخر، حينما يستغل عدد من رجال الشرطة الأمر بمنهجية غريبة عليهم، ويربطون بمكر ويستدعون الشائعات من الإعلام الارتزاقى، فاعلم أن الأمر تجاوز الخلل وأن هناك مؤامرة بالفعل. الحقيقة أن هؤلاء استبدلوا أدوارهم المفترضة فى العمل والبحث وضبط الأمن وتنظيم إيقاع الحياة بالحياد والدعة والسكون إلا من التثوير وبث الشائعات! أقوال مأثورة بألسنتهم: (لا فائدة، البلد تباع أمام الجميع، ومن يتحدث سيضرب بالأحذية، ينتقمون من الناس وكأن الشعب مسئول عن اعتقالهم طوال ثمانين عامًا، 150 ألف جندى يتحركون فى ركاب مرسى. مبارك لم يصل لهذا العدد، تم إيقاف الطريق ساعتين لمرور مرسى، البلد بتضييع، لن نتدخل لصالحهم، الإخوان قاطعين الطريق)! لا يمكن فى الذكرى الثانية للثورة أن ننسى دور الشرطة السلبى فى الثورة، فهى فى البدء كانت موجهة إليهم وضد ممارساتهم وقمعهم قبل أن تتسع كرة الثلج لتطيح بالنظام الذى كاد أن يطيح بمصر ويسقطها من حركة التاريخ، وهى ممارسات باتت فى ذمة التاريخ، ولن يسمح عاقل بإعادة إنتاجها أو استنساخها. ندعو عقلاء الأجهزة الأمنية إلى البحث فى أسباب المرض والوقوف على عوارضه والتأكيد لأبنائهم أن ثقافة حبيب العادلى وحسن عبد الرحمن اندثرت، وأن عهدًا جديدًا بدأ، وأن الظروف أصبحت مثالية ليتوبوا بالعمل والبذل من أجل مصر، بعيدًا عن الأسماء والأشخاص. ندعوهم للتذكير أن هناك شرعية جاءت عبر الصناديق باختيار حر، وأن يكتبوا اسم رئيسهم المبجل باسمه وصفته أمام رجالهم حتى يتجاوزا الولاء لسلفه السجين الذى نهب وسرق وأغرق وأحرق ويوقفوا حملات السب والشتم والتحريض. ندعوهم لبدء حملات توجيه معنوى للعلاج النفسى والتأهيل والترميم الحركى والقلبى. لقد عادت مصر لأبنائها، والجميع مطالب بغرس بذور التعايش والتوافق وتأصيل قيم العمل والإنتاج والتضحية، نرفض بالحسنى وننقد بموضوعية، ونتفاءل، فالأمل يملأ الأفق رغم الصعاب، وحينما ينطلق قطار تغيير ما بالأنفس والآفاق سنشعر بالفارق، وسنعلن حينها أجيال العار على قعودها وتفريطها وعزوفها عن المشاركة.