لاتزال أصداء المؤتمر الصحافى الذى عقده اللواء أركان حرب عادل عمارة عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة محل جدل واسع لاسيما وأن الأحداث الدامية تتوالى فى المشهد ، وسواء وُفِّق اللواء عادل عمارة فى عرضه وتحليله للأحداث التى شهدتها القاهرة الأيام المنصرمة أم لم يوفق فى عرضه فإن الواقع يشهد بأن الشارع والمتظاهرين وانضم إليهما بعض المثقفين ورواد الحراك السياسى يرفض هذه التحليلات والتأويلات . ومصر الآن بعدما اطفأت حرائقها بانتظار هوس جديد ، وكأن البلاد على موعد دائم بالانفلات والاضطراب والقلق الذى يصر أن يعصف بمقدراتها ، ودائمًا ما تقفز عبارة الرئيس المخلوع مبارك الهانئ فى محبسه رهن التحقيق حينما عقب على بعض الأحداث التى مرت بمصر فى الأشهر السابقة ونقلها أحد أطبائه حينما قال : ( ولسه هما شافوا حاجة ) . ومثل هذه العبارة لا تجعلنى أسلم بأن له يدًا طولى فى أحداث مصر الأخيرة ، نظراً لأن مجرد التفكير فى شراكة الرئيس المخلوع لأحداث الفوضى تجعلنا نعود ثانية لنقطة الصفر بأنه صاحب شفرة مصر وهو الوحيد الذى يملك الكود الخاص به وهذا ما نرفضه ومن أجله قامت ثورة الشرفاء فى يناير 2011م . وإذا كانت أصابع الاتهام لا تزال مشوهة وغامضة غير واضحة المعالم بمن الريبة أن نعقد عزمنا على توجيه الاتهام بإحداث الفوضى وشيوع العبث فى المجتمع نحو نزلاء طرة الذين يواجهون ظلمة الحبس النفسى قبل البدنى ، وكذلك هؤلاء الفلول الذين لا يزالون أيضاً مرابطين أملاً فى عودة جديدة ، لابد من التفكير بطريقة أكثر عملية فى البحث عن هؤلاء المخربين الذين يعيثون فى الأرض فساداً وظلمة. وحقيقى ما أشار إليه اللواء عادل عمارة بأن هؤلاء المخربين لا يعدون ثواراً حقيقيين ، لأنه هناك فرق واضح وكبير بين الثورة والتثوير ، الأولى حالة زمنية منتهية تنقضى بتحقيق هدف أو مجموعة أهداف ولعل أبرز أهداف ثورة يناير التى تنتظر الاحتفاء بعيد ميلادها الأول هو سقوط النظام الذى بات غولاً ووحشاً قابعاً على صدور المصريين عقوداً طويلة . والثانية هى حالة مستمرة لا تنقضى أقصد التثوير ، الذى يعنى حركة دائمة تسعى إلى النهوض والارتقاء والتنمية والإصلاح بعيداً عن الشعارات التى أفسدت الحياة السياسية وأضفت عليها نوعاً من الملل والتكرار. إن الشعب الشريف كله يطمح إلى هذه الحالة الثانية وهى التثوير ، ويأمل من أجهزته الحكومية والأمنية أن توفر له حياة كريمة، ولكن الأيادى الخبيثة تعبث بالوطن ، وكل ما علينا أن نتحد قليلاً من الوقت لعودة الحياة والروح لجسد هذا الوطن الجميل. إن من أراد أن يحرق تاريخ أمته ليس بمصرى ودليل إدانته هو الوجوه الغريبة التى ظهرت على شاشات الفضائيات وهى تتحدث عن طريق تمويلها والمهمات المسندة إليها ، هؤلاء لابد من الضرب على أيديهم بقطع من حديد ساخن دونما رحمة ، وكفانا دعاية حقوق الإنسان ودعاوى المنظمات المدنية التى ترفض المساس بحق المتظاهرين . وهذا لا يعنى بالضرورة قمع التظاهر السلمى بل مواجهة الخروج على النظام والأمن، لأن ما شهده شارع قصر العينى وشارع الشيخ ريحان ومن قبلهما شارع محمد محمود لهو أدعى بأن هناك حملة مقصودة ومباشرة لتقويض مصر ، وتفتيت شعبها وسط تيارات وأيديولوجيات متباينة . هناك حقاً ضرورة حتمية للانتباه قليلاً نحو هذا الوطن بعيداً عن الثورة قريباً من التثوير ، هذا التثوير الذى يمثل حركة البناء والتنمية والإصلاح والعودة من جديد إلى الارتقاء بفكر وحضارة هذه الأمة التى صدرت الحضارة وروحها لبلاد العالم كافة ، وإذا كانت كتب المجمع العلمى التاريخى قد حرقت بفعل العنصر الغامض ، فأنا على يقين أن هذا الشعب المصرى العظيم قادر على حفظ كل رصيده الثقافى بعقل أبنائه الأبرار..