من يتواصل مع الناس ويلتقى بهم كل يوم فى أسواقهم ووسائل مواصلاتهم وحلهم وترحالهم يدرك أن الهم الاقتصادى هو العلامة البارزة فى اهتمامات الغالبية الكاسحة من المواطنين. المواطنون يريدون إنجازا سريعا فى هذا الملف الذى طالت فيه معاناتهم وزادت فيه أوجاعهم وتعالت -منذ عقود- بشأنه صيحاتهم ليطالبوا بحقوقهم؛ أملا فى الوصول إلى حد الستر والكفاية. مشاكل الناس ومعاناتهم الاقتصادية والمالية باتت مؤرقة لمن لديه تواصل يومى معهم وتداخل اجتماعى مع مشاكلهم يسمع لهم ويتعرف إلى تفاصيل حياتهم وتصريفات معيشتهم. معظم هؤلاء المواطنين ليس لديهم طموح فيما يطمح إليه أهل الثراء واليسار، وما يتطلع إليه سكان القصور والمنتجعات، وما يسعى إليه قوم عاشوا لأنفسهم وفقدوا الإحساس بمن حولهم من الخلق. أحدهم يسعى لعلاج ابنه بعد أن فقد الأمل فى علاج نفسه بصورة كريمة وبعد أن سُدّت أمامه السبل وغُلِّقت دونه الطرق للحصول على الحد الأدنى من خدمة صحية سليمة. أحدهم يسعى لتوفير ما يلزم لتعليم أبنائه؛ حتى لا يدوروا فى دوائر الفقر بعد أن فقدوا فرص التعليم فى مدارس الصفوة وجامعات تفرض على منتسبيها ما تنوء به دخولهم الهزيلة. كثير منهم يلجأ إلى حسن إدارة زوجته لتدبير الطعام المطلوب فى الصباح والمساء وسط معادلات صعبة فى تحقيق الموازنة بين ما يشبع البطون وما تتحمله الجيوب الخاوية. هؤلاء جميعا يتوقعون من مجلس الشورى الجديد أن يقر قانون الحد الأدنى والحد الأقصى للرواتب باعتباره خطوة أولى على طريق طويل للحصول على حقوقهم، والشعور بأن هناك من يشعر بهم ويدرك حجم مأساتهم. هم يريدون بالحد الأدنى ضمان الحصول على ما يمكنهم من الاستمرار فى الحياة دون أن يسألوا الناس أعطوهم أو منعوهم، ودون أن يظلوا فى حلقة مفرغة من الفقر والعوز لا يملكون الخروج أو الفكاك منها. وهم يريدون بالحد الأقصى أن يستردوا كرامتهم التى سطا الكبراء عليها عندما أخذوا ميزانيات مفتوحة، دون قيد ولا شرط، ودون رقيب أو حسيب، بعيدا عن عدالة التوزيع بين شركاء العمل، حتى وإن تباينت القدرات فيما بينهم.