تخلص القراءة المتأنية للدستور المصرى إلى أنه يؤسس طفرة علمية وتقنية وبناء مجتمع المعلومات، فهو يُلزم الدولة بالدعم السخى للتعلم والبحث العلمى وتوطين التقنية، وذلك للاستفادة من ذخيرة مصر المعرفية ومناخها المعتدل وثروتها البشرية ومواردها الاقتصادية وموقعها الجغرافى المتميز ومكانتها الدينية فى العالمين الإسلامى والمسيحى. أشارت ديباجة الدستور الجديد إلى امتلاك مصر ذخيرة هائلة من مقومات وتراكمات الإبداع الإنسانى والقدرة على الابتكار واستخلاص المعرفة الإنسانية من مشاكل الحياة اليومية. وأكدت الديباجة نفسها على ضرورة استعادة مصر للريادة الفكرية والإمساك بزمام القوة الناعمة، وعلى أن تصبح نموذجا عالميا للعطاء الفكرى والثقافى وحرية الإبداع وحضانة للمفكرين والعقول، ودعت إلى ضرورة الاستعانة بالجامعات، والمجامع العلمية واللغوية والمراكز البحثية. - معالجة الدستور للشأن العلمى ذكرت كلمة »التعليم«فى الدستور الجديد 17 مرة، وكلمة »علمية«6 مرات، وكلمة »الجامعات«ثلاث مرات، و»البحث العلمى«سبع مرات، و»العلوم«ثلاث مرات، و»الإعلام الرقمى«مرتين، بالإضافة إلى الإشارة إلى اللغة العربية سبع مرات، وضمنت المادة 17 عمل الدولة على وضع البرامج والسياسات اللازمة لجلب التكنولوجيا الحديثة وتوطين تطبيقاتها، ما يواكب تطورات العصر وتزايد وتيرة التحول التكنولوجى. وأكدت المادة 15 على أهمية الاستثمار فى البحوث الزراعية. وألزمت المادة 12 الدولة بوضع برامج لتعريب التعليم والعلوم والمعارف بفروعها المختلفة، وحماية المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى، كما ضمن الدستور حماية الحقائق العلمية وحقوق الملكية الفكرية فى المادة 11، وبالمثل أكدت المادة 15 على حرية الفكر والرأى، وأن لكل فرد الحق فى التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير، كذلك ركزت على دور الدولة فى نهضة العلوم والفنون والآداب ورعاية المبدعين والمخترعين. وضمنت المادة 46 حق المواطن فى الإبداع بأشكاله المختلفة. كما نصت المادة نفسها على أن تنهض الدولة بالعلوم والفنون والآداب، وترعى المبدعين والمخترعين، وتحمى إبداعاتهم وابتكاراتهم، وتعمل على تطبيقها لمصلحة المجتمع.كما نصت المادة 49 على حرية الصحافة ووسائط الإعلام الرقمى وغيرها. وتقر المادة 58 بأن لكل مواطن الحق فى التعليم عالى الجودة، والتزام الدولة بمجانية التعليم بمراحله المختلفة فى كل مؤسسات الدولة التعليمية، وجعله إلزاميا فى مرحلة التعليم الأساسى، وأن تتخذ الدولة كافة التدابير لمد الإلزام إلى مراحله العليا. وتُعنى الدولة بالتعليم الفنى، وتشجعه، وتشرف على التعليم بكل أنواعه، وتخصص له نسبة كافية من الناتج القومى. ونص على ضرورة التزام جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والأهلية وغيرها بخطة الدولة التعليمية وأهدافها؛ بما يحقق الربط بين التعليم وحاجات المجتمع والإنتاج. وكفلت المادة 59 حرية البحث العلمى واستقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية ومراكز البحث العلمى. وألزمت المادة ذاتها الدولة بتخصيص نسبة كافية من الناتج القومى للبحث العلمى. وفى المادة 60 يؤكد الدستور أن اللغة العربية مادة أساسية فى مراحل التعليم المختلفة، وفى المادة ذاتها تلتزم الجامعات بتدريس القيم والأخلاق اللازمة للتخصصات العلمية المختلفة، وهو أحد متطلبات التعليم العصرى، وتلتزم الدولة فى المادة 61 بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية وتجفيف منابعها. وبالمثل تتكفل الدولة فى المادة 71 بتنمية الطاقات العلمية للشباب، بالإضافة إلى الارتقاء بهم فى جميع الجوانب، وتلزم المادة 72 الدولة برعاية ذوى الاحتياجات الخاصة علميا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: كيف يوظف المشرع المصرى بنية مصر المعلوماتية ورأسمالها الاجتماعى الرقمى والعقول المهاجرة والوقف الخيرى والصدقات لتحقيق الريادة العلمية المنشودة؟ فهذه الطاقات يمكن توجيهها لتعزيز حضور مصر على الشبكة العنكبوتية وتعريب العلوم وتطوير موسوعات إلكترونية متخصصة وتفعيل الحوار بين الحضارات وزيادة المحتوى العربى على الشبكة العنكبوتية، ودعم الرسالة الإنسانية للأزهر والكنيسة القبطية. ويمكن توظيفها فى محو الأمية ودعم الابتكار وإنتاج برمجيات وتطبيقات مفتوحة المصدر لإثراء الحياة الثقافية ودعم الخدمات الصحية وتنمية الزراعة والصناعة وتوطين التقنية ودعم الجارة الإلكترونية بين مصر وظهيرها العربى والإفريقى. ............... أكاديمي مصري