{إنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ}. أيها الإخوان أيها العاملون للإسلام هل قرأتم فى التاريخ على طوله وعرضه أن جماعة مؤمنة نذرت نفسها لخدمة دينها وأمتها ورعاية الكبير والصغير ونصيحة الأمى والمتعلم، وكل ذلك لم تطلب من مخلوق جزاء ولا شكورا ثم فُعل بها كما فُعل بكم أو نزل بها كما نزل بكم وافتُرىَ عليها كما افْتُرى عليكم؟! لقد لُفقت لها التهم المفضوحة وما زالت، وأُوذيتم الأذى الذى لم ينزل إلا بالأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام لأنكم تؤمنون بهم وتصدقون برسالاتهم وتقفون وأنتم تحملون الحق الذى حملوه وتؤدون الشعائر التى أدوها وتسيرون على الدرب الذى ساروا عليه وتؤمنون بالله ربكم وتحبون جميع الصالحين وتقدرونهم، وهذا هو السر فى كل ما ينزل بكم يقول الحق سبحانه وتعالى فى شأن أصحاب الدعوات على مدار التاريخ: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ (54) وذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ}. إن المحن التى نزلت بكم والافتراءات والأكاذيب التى دُبرت وتُدبر لكم أساسها الافتراء على الدعاة والكيد لمن يحملون الحق والتطاول على المؤمنين وما فعل المؤمنون شيئًا إلا الخير وكلما حاولوا الأخذ بيد الساقطين على الطريق العاكفين على اللهو واللعب الغارقين فى الدنيا واللؤم والخسة، بدل أن يشكروا اليد التى تحاول إنقاذهم وتريد أن تطهرهم وأن ترفع من شأنهم وأن تحنو عليهم كبارًا وصغارًا مثقفين وغير مثقفين رجالًا ونساءً وفتيانًا وفتيات استدار البعض منهم ليرد على الحسنة بالسيئة وعلى المعروف بالمنكر. وصدق الله العظيم إذ يقول: {واللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا}. هذا ما يريده الله للأمة كلها من إيمان وإنقياد لله عز وجل وأخلاقيات طيبة، وهو ما يريد الدعاة أن يبلغوه ويحرصون على تبليغه لا حبًّا فى مغنم ولا حرصًا على دنيا بل تبليغه وتعليمه للجميع طاعة واجبة لله. قال تعالى: {ومَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ ولِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. أيها الناس، إن هذا الأمر ليس لنا فيه خيار ولا لكم، أن نقول ونبلغ وأن تسمعوا وتستجيبوا، قال تعالى: {ولْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}. إن الذين يدعون هذه الأمة على رغم طوال المحن واشتداد الأزمات ودفع الثمن الغالى إلى اليوم من الشهداء الأبرار قُوَّم الليل، الجميع يسأل وينادى بأعلى صوت عن سبب واحد لهذا الإيغال فى الاضطهاد فلا تجد، لقد لقى الإخوان ومن على شاكلتهم وكل من فى الطريق معهم من ألوان البلاء أقسى ما وصلت إليه العقول الشيطانية على ظهر الأرض. واليوم يتساءل الجميع هل نجح البطش والقسوة فى إطفاء نور الإسلام أو نور الدعوة إلى الله؟ نقول بكل ثقة أبدًا لا. فليطمئن المسلمون جميعًا وأمامهم الذين اضطهدوا وأوذوا ولقوا من البلاء ما لقوا، وعانوا من الشدائد ما عانوا، وهم راضون مطمئنون ولسان حالهم يقول «كلٌّ فى حب الله يهون»، إن الحق الذى نؤمن به أن دعوة الله مستمرة وأن أمره غالب وأن فرجه قريب {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِى عَزِيزٌ}. ولذلك فإن كل محاولة وكل كيد وافتراء يصنعه البشر لإطفاء نور الحق أو تعطيل الإسلام لا بد أنها محكوم عليها بالفشل. إننا لم نسمع يومًا ولم نقرأ فى تاريخ البشرية كلها أن هناك من حاول أن يطفىء نور الشمس، أو يُوقف مسارها، ولكن قرأنا عن كثير من المحاولات لإطفاء نور الحقيقة. رغم أن نور الحق والإيمان أقوى وأصدق من نور الشمس: قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}. لقد تخطت دعوة الإسلام كل العقبات وتغلبت على كل المحاولات، وخرجت من كل ضائقة أقوى مما كانت، لا بانتشارها فقط، ولكن برجالها الراسخين الثابتين الذين ضحوا من أجلها، ولقد قال هؤلاء الرجال بصدق حين واجهوا المحن فرددوا قول أسلافهم "ماذا يفعل الأعداء بى؟ إن سجنى خلوة وإن تغريبى سياحة وإن موتى شهادة، فماذا يفعل الأعداء بى؟". لقد غرس المصطفى صلى الله عليه وسلم بذور هذه الدعوة ثم صارت شجرة طيبة قوية ذات فروع وثمار وظلال، لا تستطيع الرياح مهما كانت قوتها أن تنال منها، لأن أصلها ثابت وفرعها فى السماء، وهى فى قلوب المؤمنين، ولا سلطان لأحد على القلوب سوى الحق تبارك وتعالى، وشاء الله عز وجل أن تورق دعوة الإسلام فى أنحاء العالم، وعاد الشباب إليها، وهم ثمرتها المباركة الطيبة بعد أن رويت بدماء رجالها الشهداء الأبرار. إن علينا جميعًا رجالًا ونساءً كبارًا وصغارًا وشبابًا وفتيات على الجميع أن يتأسى وأن يتخلق بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتأسى به فى أدب الدعوة والصبر على تكاليفها، وأن تتأسى به فى حبه وعطفه واحترامه لكل الناس، وأن نتأسى به فى عفوه وصفحه حتى عن المسىء "اللهم اغفر لى قومى فإنهم لا يعلمون". ويجب على الجميع أن يعيش مع القرآن الكريم وأن يغترف من معيته وأن يقتدى اقتداءً حقيقيًا بالأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه وأن يقترب منهم وأن يتذوق طعم هذا الحق وأن يعود القرآن غضًّا طريًّا على ألسنتنا، قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ واسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ولا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا ورَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا ولَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وإلَيْهِ المَصِيرُ}. يا من رأى عمرًا تكسوه بردته *** والزيت أُدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا *** من بأسه وملوك الروم تخشاه والله أكبر ولله الحمد ---------------------- فضيلة الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب من علماء الأزهر الشريف والعضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين