مرحلة ما بعد إقرار الدستور من أهم مراحل مصر بعد الثورة، فهناك حاجة ملحة ل"ترميم" الوطن وفتح الباب لتوافق وطنى يمكن من عبور المرحلة الحالية والاتفاق على نقاط التقارب. ويرى خبراء أن أولى الخطوات هى الدخول فى حوار وطنى كمحاولة للوصول إلى توافق حقيقى للخروج من الأزمة الراهنة، وللحيلولة دون تصاعدها، مشيرين إلى ضرورة أن تكون هناك ضوابط ومعايير جادة تضمن نجاح التوافق الوطنى، وتحقق أهداف الحوار، وأن يكون هناك بحث عن القواسم المشتركة من خلال الدعوة لمؤتمر وطنى شامل يطرح فيه الجميع آراءهم بلا تحفظ وكذا بلا شروط مسبقة مع إشراك شباب الثورة فى كافة المراحل. قبول النتيجة فى البداية، يقول عبد الغفار شكر -رئيس حزب التحالف الشعبى-: إن أهم أولويات مرحلة ما بعد الاستفتاء هى قبول جميع الأطراف بالنتيجة كخطوة أولى تمهد لخطوات أخرى أكثر إيجابية، التى تتمثل فى عقد مؤتمر وفاق وطنى كبير بمبادرة من رئيس الجمهورية نفسه، تشارك فيه جميع القوى الوطنية دون استثناء ودون شروط مسبقة من أى جهة من الجهات، مع ضرورة التزام الحوار بأجندة محددة الأهداف والبنود حتى تتحدد مواطن الاتفاق ومواطن الاختلاف. واعتبر شكر أن نجاح هذا المؤتمر الوطنى يمثل خطوة جادة للبناء الحقيقى لمستقبل هذا الوطن؛ حيث إن إزالة هذه الحالة من الاحتقان السياسى ستسهم -وبشكل مباشر- فى تمهيد الطريق للبناء والتنمية الحقيقة من خلال البدء فى إقامة مشروعات اقتصادية فى مناخ هادئ بعيد عن التوترات التى تسهم فى طرد الاستثمارات الداخلية والخارجية. ويضيف أنه من بين الأمور التى يجب الالتفات إليها ما بعد الاستفتاء هو ضرورة إعادة ترتيب الأوراق مرة أخرى؛ بحيث يكون لشباب الثورة دور حقيقى فى المرحلة المقبلة، فهم فى حاجة لأن يستمع إليهم ويتبنى رؤاهم، كما أنهم لديهم الرغبة الجادة فى العبور بسفينة الوطن من هذا النفق الضيق، وهو ما يجب أن تفطن إليه القيادة السياسية الراهنة فلا يجب تجاهلهم. تهيئة المناخ من جانبه، أكد هشام مصطفى -رئيس حزب الإصلاح والنهضة- أن إقرار الدستور فى حد ذاته خطوة تفرض خطوات أخرى لتحقيق الاستقرار، ومن أهم هذه الخطوات الالتفاف نحو برنامج وطنى تشارك فيه جميع القوى الوطنية دون استثناء أو استئثار، وأن هذا الأمر يتطلب أن تتحقق الإرادة السياسية الحقيقية لدى الجميع. وأشار إلى أن استمرار محاولات اختلاق الأزمات ما بعد إقرار الدستور للحيلولة دون العبور بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار هى من الأمور الواردة، ولكنها لن تكون طويلة النفس، كما أنها ستؤكد أمام الجميع طبيعة أدعياء الفوضى من دعاة الاستقرار. وطالب مصطفى بأن يكون الرئيس محمد مرسى صاحب خطوة البدء فى إحداث هذا الاستقرار من خلال تشكيل حكومة تتضمن وزراء تتعدد انتماءاتهم الحزبية، وهو ما يقلل نغمة الاستحواذ التى سادت خلال الفترة الماضية، وكانت أحد أهم الوسائل التى يعتمد عليها البعض فى تشويه القيادة السياسية الراهنة، على الرغم من المبالغة الشديدة من البعض فى هذا الأمر. وأوضح أن تهيئة المناخ لعقد حوار وطنى جاد هى مسئولية كل الأطراف؛ من خلال تحديد نقاط الاتفاق المشتركة والتركيز عليها، وطرح النقاط الأخرى محل الخلاف للنقاش والتداول فيها؛ من أجل الوصول إلى حلول حقيقية من شأنها أن تقلل من حدة الاحتقان، الذى يسهم بدوره فى تهيئة المناخ للاستقرار الحقيقى، حيث إن لا استقرار إلا بوجود مناخ سياسى معتدل تتضافر فيه كافة الجهود من أجل الانتقال من هذه المرحلة المرتبكة إلى مرحلة أخرى أكثر استقرارا، وهو ما يتطلب أن يشعر الجميع بالمسئولية تجاه هذا الشعب وأفراده الذين يتوقون ويحلمون بالاستقرار. تضييق الفجوة أما محمد مصطفى -المنسق العام لاتحاد الثورة- فأكد أن الحوار الوطنى هو أولى الخطوات لإحداث توافق مجتمعى بهدف الوصول إلى حالة من التوافق فى ظل اتساع الفجوة بين الخصوم السياسين، التى يرى أنها إذا استمرت تنذر بخطر حقيقى يهدد استقرار البلاد. وأشار إلى أن نجاح أى حوار يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية ينحى فيها كل فصيل سياسى مصالحه وتطلعاته الخاصة جانبا بحيث يبقى هدف واحد تجتمع عليه جميع القوى، وهو تحقيق المصلحة العليا للوطن على أن يتم وضع أطر عامة يتم فيها رصد نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف؛ بحيث تكون نقاط الاتفاق وسيلة لتقارب وجهات النظر. وأوضح أن هناك نقاط اتفاق؛ منها: محاربة الفساد، فلا بد من تطهير البلاد من المفسدين، فليكن ذلك الهدف وسيلة تجتمع عليه القوى السياسية فى البداية حتى يتحقق؛ لأن بتحققه يكون المناخ مهيئا للتغيير، الذى يجب أن تشارك فيه كل القوى حتى تتحقق اللحمة الوطنية، مشيرا إلى أن ذلك يحتاج إلى مثابرة شديدة وإرادة حقيقية نحو الإصلاح. وطالب بضرورة إشراك شباب الثورة فى أى حوار وطنى يتم على الساحة السياسية؛ لأن تهميشهم طوال الفترة الماضية بعد الثورة كان سلوكا يحتاج إلى مراجعة، حيث إنهم الفئة الأولى بالمشاركة فى دائرة الحوار وصنع القرار الوطنى؛ نظرا لدورهم المحورى فى ثورة 25 يناير. واتفق مع الآراء السابقة، الدكتور أمير بسام -عضو الهيئة العليا لحزب "الحرية والعدالة"- مؤكدا أن الحزب يرحب، ولديه الرغبة الحقيقية بالمشاركة فى أى حوار وطنى للوصول إلى حالة من التوافق من شأنها العبور بالبلاد إلى مرحلة أكثر استقرارا . وأوضح أنه لا يجب التطرق فى الحوار إلى نقاط هى من الثوابت مثل هوية الدولة ومصدر التشريع؛ حيث إن التدخل فى هذه الثوابت من شأنه أن يخرج الحوار الوطنى من إطاره، وقد يتسسب فى فشله، مشيرا إلى أن آليات نجاح أى حوار هى النية الصادقة والمخلصة تجاه هذا الوطن من خلال اتساع المدارك، وعدم المصادرة على الآراء، وتقبل الآخر، ومحاولة الوصول إلى قنوات مشتركة. مسئولية مشتركة بدوره أكد عمرو هاشم ربيع -رئيس شعبة البحوث البرلمانية بمركز الأهرام للبحوث السياسية والإستراتيجية- أنه لا بد أن يتفق الجميع على حقيقة مهمة، وهى أن كلا منهم لديه مسئولية تجاه هذا الوطن، وهذه المسئولية تحتم على الجميع إعلاء كلمة الوطن فوق أى مصلحة أخرى، وهو ما يتطلب من رئيس الجمهورية توجيه الدعوة مرة أخرى للحوار بعد نتيجة الاستفتاء، وعلى الجميع أن يقبل الدعوة دون شروط مسبقة أو شروط تعجيزية. وقال: "إننا فى مرحلة فارقة تتطلب من الجميع تقديم تنازلات بما يحقق قدرا من التوافق، الذى يعد بوابة للعبور بالبلاد إلى الاستقرار الحقيقى". وشدد ربيع على أن المرحلة المقبلة تستوجب من الجميع تمهيد الطريق للمُضى قدما نحو الاستقرار بمعناه الشامل السياسى والاجتماعى والاقتصادى، ومن ثم لا بد من نبذ الخلافات جانبا والقبول بكافة النتائج طالما كان ذلك تعبيرا عن إرادة شعبية حقيقية. من جهتها، أكدت حنان أبو سكين -مدرس العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- أن أهم مقومات الحوار الوطنى الناجح هو الاستعداد الحقيقى لإيجاد قنوات للتواصل من أجل مصلحة الوطن؛ حتى لو تعارض ذلك مع المصالح الخاصة؛ لأن المرحلة الراهنة لا تقبل المزايدات وتصفية الحسابات، وإنما تتطلب التكاتف الحقيقى من أجل العبور بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار. وقالت: إنه يجب أن يبنى الحوار على أساس علمى ومنهجى، فلا يجب على سبيل المثال تصنيف أطراف الحوار على أساس عاطفى "محبى ومؤيدى الرئيس أو معارضى الرئيس"؛ لأن هذا التصنيف من شأنه أن يزيد الفجوة بين الطرفين، كما أن فيه اختزالا مخلا واستهانة بالقضية الرئيسية، وهى إنقاذ الوطن من خطر الانقسامات.