الإقبال الواسع على لجان التصويت على الاستفتاء أعطى دلالات مهمة لكل القوى والتيارات السياسية، ولكل من يريد أن يتعامل مع الشعب المصرى ويسعى إلى التعبير عنه. الدلالة الأولى أننا أمام شعب قرر أن يحتكم إلى الصندوق باعتباره الوسيلة الوحيدة المعتمدة والشرعية لديه مع رفض كافة الوسائل غير الشرعية التى تعتمد طرق البلطجة والعنف والسطو السياسى والدجل الإعلامى بدائل عن العمل السياسى الحقيقى. وهو ما يعنى أن خيار الديمقراطية بات مستقرا عند الناس، والاحتكام لآليات التعبير عن الرأى عبر الصندوق بات أمرا محسوما عند غالبية الشعب التى خرجت بالآلاف للتعبير عن رأيها فى الاستفتاء. لقد ظهرت الصورة أخيرا للعيان عند ما أعلن الشعب انحيازه للصندوق باعتباره الوسيلة الأمثل والأليق بشعب صاحب حضارة كبيرة، وقام بثورة سلمية لفتت أنظار العالم كله، رغم مساعى البعض إلى تشويه صورته، ومحاولة قلب الحقائق. الدلالة الثانية أن الشعب المصرى يميل إلى التعبير السلمى عن رأيه الذى يفهمه جيدا ويدركه، إلا أنه يحدد الوسيلة الديمقراطية التى تحقق له القدرة على التعبير عن الرأى دون انجرار إلى دائرة العنف. وهذه الدلالة تؤكد أننا أمام شعب مسالم ينبذ العنف، ويرفض منتهجيه، ويأبى الانصياع لمن يريد أن يسوّقه ويروّج له، بل يؤكد أنه لن ينسجم مع مروجيه ولن يقبل سوى الخيار الديمقراطى. ولعل أظهر دليل على ذلك هو اختفاء العناصر التى دأبت خلال الأيام الماضية على دفع البلاد إلى حافة القتال والصدام، التى بدأت فى الاختفاء والتراجع أمام شعورهم بوجود رغبة شعبية صادقة فى الاحتكام إلى الصندوق؛ لحل كافة المشاكل السياسية، وحسم مسائل الخلاف والاختلاف مهما كانت. الدلالة الثالثة أن الشعب يرغب بطبيعة الحال فى الاستقرار، دون أن تدفعه تلك الرغبة فى التنازل عن ثوابته، ودون أن تمنعه من الحفاظ على حقوقه والاستمساك بمبادئه. فهو يتعامل مع الأحداث حسب ما تحتاج دون تضخيم أو استهانة، ويدرك أنه أمام تحديات عظيمة تستوجب التكاتف والوحدة لحين استكمال مؤسسات الدولة وإنجازها فى الاتجاه الصحيح ليفتح عندها نقاشا حقيقيا حول مستقبل مصر، ولكن بشرط أن يضع أقدامه على بداية الطريق.