تعيش مصر فى الوقت الحالى مرحلة فاصلة فى تاريخها الحديث، بعد أن وصلت الخلافات بين النظام الجديد المنبثق عن ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبين المعارضة المصرية التى لم توفق فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة لمرحلة الاحتراب، التى تنذر بتغيير دفة الثورة وإدخالها فى نفق مظلم، وخسارتها لمقومات النجاح التى بُنيت عليها، وإتاحتها الفرصة لأعداء الوطن للعبث بأمنه واستقراره، والسماح للجيش بالعودة مرة ثانية لاعتلاء المشهد، والقضاء على الفرصة التاريخية لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، التى وضع أساسها الشهداء بدمائهم وضحوا بأرواحهم من أجلها. إن ما تقوم به المعارضة المصرية التى تدير دفتها اليوم النخبة العلمانية واليسارية المتحالفة مع فلول الحزب الوطنى، يجعلها تخسر مرتين: أولا: تخسر التأييد الشعبى الكبير الذى شاهدناه خلال الانتخابات الرئاسية التى نجح خلالها السيد حمدين صباحى، فى أن يحل ثالثا بعد الدكتور محمد مرسى والفريق أحمد شفيق فى مفاجأة لم تكن متوقعة للجميع، ثانيا: أن تفقد ثقة الشعب المصرى، وبالتالى تقضى على أى إمكانية لمنافسة التيار الإسلامى فى المستقبل. إذ تشير الأنباء المتواترة فى وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى أن أحد أهم رموز تلك المعارضة وهو الدكتور محمد البرادعى، يجوب العالم طلبا للدعم والتدخل الخارجى فى شئوننا الوطنية، بزعم الخوف من سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم فى مصر، وتفويت الفرصة على التيار العلمانى والليبرالى، الذى ثبت فشله خلال الفترة الماضية فى تحقيق وجود حقيقى على الأرض. أما الآخر وهو حمدين صباحى فيتولى مسئولية تجميع الصفوف الليبرالية والفلولية لإسقاط "الفلاح الموجود فى قصر الرئاسة"، كما صرح سيادته فى أحد اللقاءات المغلقة التى جمعته بعمرو موسى، والبرادعى. بل وقد وصل الأمر إلى درجة التآمر الحقيقى بالتعاون مع أطراف خارجية من خلال تقديم الدعم المادى واللوجيستى للمعارضة المصرية التى تحول هدفها فى الآونةالأخيرة من معارضة الرئيس إلى محاولة إسقاطه. وكانت هذه الأطراف قد خططت للإطاحة بالرئيس خلال مظاهرات 24 أغسطس الماضى عبرانقلاب عسكرى، لكن تحرك الرئيس العاجل حال دون ذلك، فتمالاتجاه إلى قيادات المعارضة التى تضم حمدين صباحى ومحمد البرادعى وعمروموسى؛ من أجل تنفيذ المهمة، وهو ما حدث من خلال الدعوة إلى الاحتفال بذكرىأحداث محمد محمود وما تلاها حتى الآن. والهدف الأساسى لها حسبما اتضح من تطورات الأحداث هو محاصرة القصر الجمهورى ثم اقتحامه وقتل الرئيس أواعتقاله، ثم إعلان قيام مجلس رئاسى مدنى يضم الثلاثة المذكورة أسماؤهم، بالإضافة إلى سامح عاشور ومحمد غنيم. وقد أعلن سامح عاشور منذ يومين بيانابتشكيل هذا المجلس. ويأتى الاجتماع المعلن منذ يومين بين السفيرة الأمريكية فى حزب الوفد وقيادات المعارضة من أجل التنسيق لتنفيذ خطوات الانقلاب. وعلى الرغم من خسارة هؤلاء لجولات المنافسة السابقة، التى يتآمرون فيها على أمن واستقرار الوطن، إلا أنهم يواصلون الليل بالنهار لعرقلة مسيرة الرئيس، ومنعه من تحقيق أى إنجاز للشعب المصرى، وسيواصلون السير فى هذا الطريق الشائك، حتى تنتهى فترة الرئيس محمد مرسى، باعتبار أن هذا كفيل ليس فقط بتفويت الفرصة على الإخوان المسلمين، ومنعهم من النجاح فى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية المقبلة، ولكن تفويت الفرصة على التيار الإسلامى بالكامل، لأنه نظرة رجل الشارع العادى الذى وضع أمله فى التيار الإسلامى لتغيير ظروفه الحياتية ومستوياته المعيشية ستتغير، وبذلك يكونون قد ضربوا عصفورين بحجر واحد، أولا: القضاء على التجربة الإسلامية، وثانيا: العودة إلى اعتلاء المشهد السياسى من جديد. لذلك يتوقع أن تستمر المعارضة المصرية بالتعاون مع فلول الحزب الوطنى، فى خلق الأزمات تلو الأزمات، وحصار الرئاسة والتيارات الإسلامية فى خانة رد الفعل؛ بحيث لا ينجحون فى عملية إعادة البناء. فالتظاهرات لن تنتهى بحق وبدون، وأزمات البنزين والسولار ورغيف العيش والنظام والأمن كلها مرشحهة للتكرار خلال الفترة المقبلة، مالم يتم تغيير أوراق اللعبة، والتعامل بحسم مع هؤلاء جميعا، والضرب بيد من حديد على كل من يتلاعب بأمن واستقرار ومستقبل الشعب المصرى. ومن هنا يمكن استخلاص أكثر من سبيل يمكننا من خلاله قطع الطريق على هذا المخطط الخبيث الذى يستهدف حصار الرئيس ومنعه من العمل، الأول: قطع عناصر الإمداد والتموين، فكلنا يعلم أن هناك جهات تقوم بتمويل ما يحدث فى التحرير وأمام "الاتحادية"، وهذه العناصر معروفة لرجال الأمن والمخابرات، ويمكن فى حال القبض عليها وقف التظاهرات الممولة ضد الرئيس. ثانيا: فتح ملفات الفساد الخاصة برجال النظام السابق، وإعلانها للرأى العام المصرى؛ بحيث يعلم الشعب حجم الضرر الواقع عليه، ثالثا: إعادة هيكلة جهاز الشرطة بحيث يشعر المواطن البسيط بالأمن، أخيرا: العمل على تحويل برنامج الرئيس إلى واقع عملى يشعر به المواطن المصرى الذى يتوق لرؤية ثمار ثورة الخامس والعشرين من يناير على أرض الواقع. ------------------- أسامة نور الدين [email protected]