يحتفل العالم هذه الأيام باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى الذى يوافق 29 نوفمبر من كل عام، لتذكير شعوب العالم بمأساة الفلسطينيين على امتداد 64 عاما، ومعاناتهم مع الاحتلال الصهيونى وممارسات القتل والترويع والتهجير والتهويد والإبعاد، ويأتى الاحتفال مع توجه السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأممالمتحدة للحصول على صفة دولة مراقب بالمنظمة الدولية، وما واجهه هذا المسعى من تعنت ورفض أمريكى، ورغم ذلك نجحت الجهود الفلسطينية والعربية بالتعاون مع الوفود العربية والإسلامية والصديقة فى انتزاع هذا الحق للدولة الفلسطينية، ورفع مكانة فلسطين بهذا الاعتراف الدولى، والتأكيد على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى على أراضيه باعتبارها أراضى محتلة، وليست أراضى متنازعا عليها، ما يؤكد أن التضامن الدولى مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى يمكن الحصول عليها رغم الرفض الأمريكى والتآمر الصهيونى. ويتزامن الاحتفال هذا العام مع ما يلوح من بصيص أمل، وما يبدو من أفق سياسى يحد -ولو قليلا- من سياسة ازدواجية المعايير الدولية المتبعة مع قضية الشعب الفلسطينى، والدفعة المعنوية القوية التى اكتسبها الفلسطينيون عقب فشل العدو الصهيونى فى تحقيق أى من أهدافه من عدوانه الأخير على قطاع غزة، بل رضوخه للشروط التى طالبت بها حركة حماس لوقف النار، وما تبع ذلك من انتكاسة سياسية وحزبية لرموز العدوان الصهيونى، من النتن ياهو المتوقع أن يخسر الانتخابات التى ستجرى بعد بضعة أسابيع، وكان يبتغى من العدوان رفع أسهمه فيها، ولكن السحر انقلب على الساحر،إلى وزير الحرب إيهود باراك الذى أعلن اعتزاله الحياة السياسية انعكاسا لفشله العسكرى فى الحملة على غزة. وفى خضم هذا الانتصار المعنوى للفلسطينيين، وما تبعه من حراك سياسى ودبلوماسى عربى ودولى للتضامن مع القضية الفلسطينية، وما بدا من توافق بين حركتى حماس وفتح على خطوة الحصول على صفة دولة مراقب بالأممالمتحدة، وفى ظل الظروف التى تمر بها القضية الفلسطينية حاليا، مع ظهور الدليل تلو الدليل على إخفاق "راعى السلام!!" الأمريكى، وهو الوسيط الأساسى فى مفاوضات السلام، فى إلزام الجانب الصهيونى بالحد الأدنى مما توجبه الاتفاقات الدولية، أو حتى الاتفاقات التى يوقعها هو بنفسه، مستغلا حالة الانشقاق فى الصف الفلسطينى، فإن هذا يوجب على الفعاليات الفلسطينية تجاوز خلافاتها وإقرار المصالحة. وأول مراحل المصالحة وتصحيح الأوضاع على الساحة الفلسطينية هو إجراء إصلاح شامل لمنظمة التحرير، وإعادة بنائها على أسس "وطنية وديمقراطية"، فقد عانت المنظمة خلال السنوات الأخيرة من تهميش، ليس فقط فى تغييب مؤسساتها، سواء اللجنة التنفيذية أو المجلسين (المركزى أو الوطنى)، بل كذلك غياب الاتحادات الشعبية التى مثلت القاعدة الجماهيرية الأساسية لها، وتكريسا لتغييب المنظمة بكافة مؤسساتها فقد تم أحيانا -وعند الحاجة- استحضار بعض مؤسساتها لتمرير بعض القرارات، التى لم تكن تحظى بأغلبية شعبية فلسطينية، مثل تغيير الميثاق الوطنى الفلسطينى، أو تمديد فترة ولاية الرئيس أبو مازن، لكنها لم تجتمع مثلا فى أثناء أو بعد الحرب الصهيونية على قطاع غزة (2008 - 2009، أو 2012)، التى هى حرب على جزء أساسى من الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطينى. إن الوضع الفلسطينى الراهن واستمرار الاحتلال الصهيونى وممارساته، توجب مراجعة كل السياسات، وحتى تكون المنظمة ممثلا فعليا وشرعيا لكل أطياف الشعب الفلسطينى، والإطار الوحيد الجامع له، فهى تحتاج إلى إعادة بناء على أسس وطنية وديمقراطية وبانتخابات شاملة لكل مؤسساتها، واعتماد التمثيل النسبى فى الانتخابات، فى كل المستويات التشريعية، وانتخابات المجلس الوطنى لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة تشكيل المجلس الوطنى على قاعدة الانتخابات عبر الطريقة النسبية. وعليه فلتطرح كافة الفصائل برامجها السياسية، والشعب الفلسطينى هو صاحب القرار، وعبر صناديق الانتخابات بإمكانه أن يحدد من يختار. وإذا كان من الخطأ أن يتم التنكر لمنظمة التحرير وتاريخها النضالى، فإنه من الخطأ كذلك أن يهيمن عليها فصيل واحد، وتتحول إلى أداة لتشرع قرارات بعينها، والانقسام الفلسطينى، مهما كانت مبرراته، غير مقبول، وقد ألحق بالشعب الفلسطينى الضرر، وبقضيته الخلل، فالمفاوض السياسى الفلسطينى بات أكثر ضعفا، والمقاوم العسكرى أصبح ضعيفا وتضاعفت عليه القيود، الأمر الذى يفرض على الطرفين الرئيسيين فى المعادلة الفلسطينية، حركتى فتح وحماس، الخروج من دائرة التراشق والاتهامات المتبادلة، والدخول فى دائرة الحوار. --------------- خالد الأصور [email protected]