الزحام المرورى وارتفاع الكثافة السكانية لدرجة التكدس، أحد أهم المشاكل والأزمات التى تعانى منها القاهرة الكبرى منذ سنوات بعيدة حيث لم تعمل حكومات المخلوع على مدار 30 عاما على وضع خطط وسياسيات واضحة للتعامل مع هذه المشكلة، الأمر الذى أدى إلى تفاقمها خلال السنوات الأخيرة. ولوضع حلول عملية لهذه الأزمة أعلن الدكتور طارق وفيق وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، عن أول مقترح تنفيذى بعد ثورة 25 يناير يتم دراسته حاليا بمنح المصانع والشركات بالمدن الجديدة أراضى بحق الانتفاع، لإقامة وحدات سكنية عليها بالإيجار، يستفيد بها عمال هذه المصانع والشركات، من أجل ربط السكن بفرصة العمل لتخفيف العبء على شبكة النقل الداخلى والخارجى. ويرى خبراء إسكان أن الفكرة جيدة وتعمل على تخفيف العبء على شبكة النقل والمواصلات داخل القاهرة الكبرى، موضحين أن نجاحها يرتبط بعدة شروط مهمة على رأسها توفير مساكن جديدة متكاملة تضم جميع الخدمات الطبية والتعليمية والترفيهية مطالبين بضرورة تطبيق هذه التجربة على نموذج من المدن الجديدة للاستفادة من الايجابيات وتلافى السلبيات. فى البداية، أوضح د. محمد عبدالباقى –أستاذ التخطيط العمرانى بكلية الهندسة بجامعة عين شمس– أن ما تقوم به وزارة الإسكان من جهود ودراسات لطرح أراض للمصانع بالمدن الجديدة بنظام حق الانتفاع لبناء وحدات سكنية للعاملين بها؛ يعد خطوة مهمة لتخفيف العبء والتكدس العمرانى والزحام المرورى عن القاهرة، الذى تسبب فيه النظام السابق على مدى الأعوام الثلاثين الماضية. وأضاف أن هذا المقترح سيشكل عنصر جذب كبير للمجتمعات العمرانية الجديدة خاصة أن المدن الجديدة أصبحت مدنا للعمل فقط وليست للسكن بسبب السياسات الفاشلة للوزارات السابقة، لافتا إلى أن فكرة ربط فرصة العمل بوجود مسكن مناسب وملائم للعامل كان بعيدا عن جميع السياسيات خلال فترة ما قبل الثورة. وأوضح أن تطبيق الفكرة فى المدن الجديدة يساهم فى تقليل الأحمال على شبكات النقل والمواصلات نتيجة لوجود السكن بجوار العمل، كما أن هذا الاتجاه يعمل على تحقيق زيادة إنتاجية بالمصانع كنتيجة طبيعية لعدم إهدار الوقت فى المواصلات التى تضيع كثيرا من وقت وجهد العامل، فضلا عن زيادة انتماء العامل لمصنعه. وتوقع أن يساهم تطبيق الفكرة فى تخفيف الزحام المرورى والتكدس السكانى فى القاهرة بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30% والناتجة عن تخفيف الأحمال على شبكات النقل والمواصلات، مشيرا إلى ضرورة وجود مجتمع تنموى عمرانى متكامل ومتوازن اجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا لتخطى هذه النسبة. وطالب عبد الباقى بضرورة تطبيق هذه الفكرة على نطاق جغرافى محدد، كأن يتم تطبيقه مثلا على مدينتى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر ودراسته جديا بحيث يتم تعميم الإيجابيات على باقى المدن وتلافى السلبيات فى الوقت نفسه، مشيرا إلى أن تقييم التجربة بعد تنفيذها يساهم فى نجاحها بشكل كبير حال تعميمها. واتفق معه فى الرأى، الدكتور السعيد عبد العزيز عثمان –عميد كلية الهندسة بجامعة الأزهر- فى أن تطبيق هذه الفكرة يساهم وبشكل كبير فى تخفيف العبء على شبكة المواصلات بالقاهرة، فضلا عن تحقيقه لزيادة فى القدرة الإنتاجية للعاملين بالمصانع، مشيرا إلى أن هذا المقترح حل جيد للقضاء على هذه المشكلة، مطالباً بوضع ضوابط وشروط محددة لضمان نجاح تطبيق هذه الفكرة، وضمان عدم بيع العمال وحداتهم السكانية واستمرار المشكلة، مشيراً إلى أن وجود مثل هذه الضوابط تساهم فى نجاح الفكرة وتعميمها على باقى المدن الجديدة. وأوضح عثمان أن نجاح هذه الفكرة مرتبط ارتباطا وثيقا بسلوك المواطنين والعمال تجاه مجتمعهم، مطالبا فى الوقت ذاته وزارة الإسكان بإنشاء مدن سكنية آدمية وبمساحات مناسبة مع توفير خدمات متكاملة. من جانبه قال المهندس صلاح حجاب –الاستشارى المعروف– أن تطبيق هذه الفكرة ضرورة للحد من ظاهرة التكدس المرورى والعمرانى داخل القاهرة الكبري، مشيرا إلى أن نجاح الفكرة مرتبط بالتخطيط المسبق للمصانع داخل المدن الجديدة وإذا ما كانت تسمح بأن يتم بجوارها إنشاء سكن جديد يستقر به العمال ويكون فى مصلحتهم بدلاً من انتقالهم إلى العمل وبعد انتهاء عمليهم ينتقلون للعودة إلى منازلهم مما يهدر كثيرا من الوقت والجهد. وأضاف أن المطلوب هو تشجيع الشركات والمصانع لتنفيذ هذه الفكرة لارتباط "لقمة العيش" بالسكن، لافتاً إلى أن وجود استقرار سكنى بجوار فرص العمل يتطلب وجود خدمات صحية وتعليمية وترفيهية وأمنية. وحول ضمان استفادة العاملين بالمصانع بهذه الوحدات وعدم التصرف بها، قال حجاب: إن حصول العامل فى المصنع على وحدة سكنية تكون بالإيجار مرهون باستمراره بالعمل داخل المصنع، خاصة وأن الأرض المقام عليها الوحدات هى بنظام الانتفاع، مضيفا أن الارتباط التعاقدى بين العامل والمصنع للحصول على الوحدة السكنية شرطا لضمان نجاح الفكرة. أما حسين الشورة –وكيل لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب– فيرى أن هذه الفكرة تساهم وبشكل كبير فى الحد من الزحام المرورى الخانق فى القاهرة الكبرى، مؤكدا أن مشكلة المرور بالقاهرة تحتاج إلى العديد من الجهود من كافة الوزارات والهيئات المعنية. وطالب الشورة بضرورة العمل داخل حكومة الدكتور هشام قنديل لتفريغ القاهرة من الوزارات وخاصة الخدمية والمرتبطة بقاعدة كبيرة بالجماهير، ونقلها إلى المدن الجديدة مثل القاهرةالجديدة أو السادس من أكتوبر أو الشيخ زايد للقضاء على هذه المشكلة تماما، مشيرا إلى أن هذا الملف بحاجة إلى دراسة جيدة لكيفية التعامل وتقديم حلول جذرية للقضاء عليه. وأوضح أن وجود مساكن العاملين بالمصانع بجوار عملهم سوف يساهم فى وجود حركة انسيابية للمرور داخل القاهرة بشكل جيد، مطالبا بسرعة تنفيذ هذا المقترح وتعميمه على جميع المدن الصناعية للمساهمة فى الحد من تفاقم أزمة التكدس المرورى.