لا تفتأ المنظمات الدولية تتدخل فى شئون حياتنا الخاصة، محاولة فرض أجندتها علينا، غير عابئة برفض الشعب تلك الأجندة، وتستند إلى افتقار العلم بتلك الأجندة وخطورتها من جانب، وإلى حالة السيولة التى يتسم بها المجتمع فى الوقت الحالى من جانب آخر. فبأى حق تفرض هيئة الأممالمتحدة علينا أن نقحم قضية المساواة بين الرجل والمرأة فى دستور بلادنا، وبأى حق تملى علينا أن نتخذ من "مدونة الأحوال الشخصية المغربية الجديدة" قدوة لنا، ومثلا نحتذيه فى التقنين للأسرة وللأحوال الشخصية؟ أذكر حين شاركنا ضمن وفد ائتلاف المنظمات الإسلامية فى مؤتمر (بكين+10) الذى عقدته لجنة مركز المرأة بالأممالمتحدة عام 2005، طلعت علينا مديرة لجنة المرأة فى المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالأممالمتحدة لغرب أسيا (الاسكوا ESCWA) وكانت تدعى "فاطمة السبيتي"، وفى ذلك الوقت كانت السيدة ميرفت تلاوى هى المديرة التنفيذية للإسكوا.. أذكر حين طلعت علينا السيدة فاطمة تتلو تقريرها عن أهم التغييرات التى تمكنوا من فرضها على بعض العربية فى سبيل تطبيق اتفاقية السيداو (اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة 1979)، قالت بالحرف الواحد: "إن أهم إنجازاتنا فى تطبيق اتفاقية سيداو هى: قانون الخلع فى مصر، وهو الذى أعطى المرأة الحق فى تطليق نفسها بنفسها، وقانون الجنسية فى مصر، وأكبر وأعظم إنجاز لنا هو مدونة الأسرة المغربية الجديدة، وأن المغرب بتلك المدونة قد طبق السيداو بشكل كامل، وليس محتاجا أن يرفع تحفظاته عن الاتفاقية، وأى دولة تحذو حذو المغرب، ليست محتاجة أن ترفع تحفظاتها عن السيداو، وإنى أدعوكم جميعا أن تتخذوا من المدونة المغربية قدوة لكم وتغيروا قوانين الأسرة لديكم كما غيرت المغرب قانونها". وبالفعل ومنذ ذلك الوقت، انطلقت المنظمات النسوية الحقوقية التى تتبنى أجندة الأممالمتحدة بأموال الأممالمتحدة، وحملت على عاتقها تغيير قوانين الأسرة والأحوال الشخصية فى كل الدول العربية لتتطابق مع المدونة المغربية، واتفاقية سيداو. وفى مصر، انطلقت تلك المنظمات لتعقد الندوات وورشات العمل مستعينة بقانونيين وتشريعيين وبعض حملة العلم الشرعى لصياغة قانون للأحوال الشخصية شبيه بالمدونة المغربية. فماذا فى تلك المدونة، والذى اعتبرته الأممالمتحدة تطبيقا كاملا لاتفاقية السيداو؟ أهم المستجدات فى المدونة المغربية الجديدة: * الشراكة/التقاسم والتناصف التام لكل المهام بين الرجل والمرأة داخل الأسرة (فى المدونة الأصلية كانت الأسرة تحت رعاية الزوج) وهذا يعنى أن الشراكة حلت محل القوامة.. فالأسرة الآن ليس لها قائد وإنما يتقاسم الرجل والمرأة قيادة الأسرة! * تم التخلى عن مفهوم "طاعة الزوجة لزوجها"، مقابل الإنفاق، وعن "إشراف المرأة على البيت وتنظيم شئونه". كما تم التخلى عن التمييز بين الحقوق والواجبات الخاصة "بالزوجة على الزوج" و"بالزوج على الزوجة". والنص بدل ذلك على "الحقوق المتبادلة بينهما". * رفع سن الزواج للثامنة عشر (وهو أمر يخالف الشرع الذى أباح الزواج بعد البلوغ). * رفع سن الحضانة إلى 15 سنة. * إلغاء الولاية فى زواج الفتاة.. فتتزوج من تشاء ولا يشترط موافقة الولى. * جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء (التساوى فى إنهاء الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة) * المساواة بين الحفيد والحفيدة من جهة الأم مع أولاد الابن فى الإرث من تركة الجد (الوصية الواجبة)، بدل اقتصاره فى المدونة الأصلية على أولاد الابن فقط. * شروط صارمة لتقييد التعدد (أن يتأكد القاضى من إمكانية الزوج فى توفير العدل بين الزوجات، والتثبت من وجود مبرر استثنائى للتعدد!). * إذا لم يكن هناك شرط وجب استدعاء المرأة الأولى لإخبارها بالتزوج عليها، وإخبار الزوجة الثانية بأن الزوج متزوج بغيرها، والتأكد من توفير الزوج على الموارد المادية الكافية، وإعطاء الحق للمرأة المتزوج عليها فى طلب التطليق للضرر. تلك كانت أهم التعديلات التى أدخلت على قانون الأحوال الشخصية المغربى الأصلى لتنتج فى النهاية مدونة جديدة للأسرة تمثل تطبيقا كاملا لاتفاقية سيداو. ثم يبدأ السباق لتغيير قوانين الأسرة فى كل الدول العربية والإسلامية لتلحق بالمدونة المغربية. وبداية الغيث قطرة.. فبداية المدونة كانت: استبدال القوامة بالشراكة والتقاسم التام بين الرجل والمرأة لكل المسئوليات الأسرية.. أى أن سفينة الأسرة ستفقد ربانها، ومن ثم تصبح فى مهب الريح.. فتنكسر أمام أول موجة عاتية تتعرض لها، ومن سيدفع الثمن؟ الأبناء.. فالأسرة ستتوقف عن العطاء التربوى للأبناء، والنتيجة.. جيل كامل مفتقد للتربية الأسرية الصحيحة.. ومجتمع هش مخلخل لا يملك مقومات الحضارة والارتقاء. هى كلمات.. ومصطلحات، ولكن مضامينها فى منتهى الخطورة؛ فالقوامة هى حق للمرأة لا ينبغى لها أن تتنازل عنه أو تقبل استبداله بالشراكة.. القوامة عبء والتزام ومسئولية يتحملها الرجل داخل الأسرة استجابة لأمر الله عز وجل "الرجال قوامون على النساء..."؛ أما الشراكة فهى تنازل من المرأة عن ذلك الحق الذى منحه لها الخالق جل وعلا.. وقبولها بتناصف الشقاء مع الرجل. لقد سلبتها هيئة الأممالمتحدة حقها فى القوامة من خلال اتفاقياتها ومواثيقها الدولية، سيداو، وبكين، والقاهرة للسكان وغيرها، والتى نصت جميعا على وجوب التناصف والتشارك بين الرجل والمرأة فى كل المهام والمسئوليات المتعلقة بالأسرة.. فهل تقبل المرأة بذلك؟ وهل يصب ذلك فى مصلحة الأسرة والمجتمع؟