تعددت الآراء والتحليلات إزاء إعصار ساندى على الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ فمن الناس من ذهب إلى أنه عقاب من السماء جراء جرائم النظام الأمريكى فى العراق وأفغانستان والصومال وفلسطين وسوريا وغيرها، فإذا سئل هؤلاء: وما ذنب الشعب الأمريكى؟ قالوا: لأنهم سكتوا على ظلم حكامهم،ولم يقفوا فى وجه قادتهم حين ظلموا غيرهم، فما دام الظلم يقع على غيرهم فالأمر لا يعنيهم، المهم حقوقهم بالداخل لا تتأثر، وحياتهم المعيشية لا تتغير، وحرياتهم لا يقترب منها أحد، والضرائب لا ترتفع. ومنهم من قال: إنها لغة السماء التى يجب أن يفهمها الأمريكيون،ويعلموا أن الله الذى أحياهم قادر على أن يميتهم، وإن قدرته يجب أن تقف أمامها حساباتهم المادية، حين يذهب بهم غرورهم إلى حد التفكير فى تدمير أى قوة مناوئة لهم باستحداث حرب غير تقليدية، من خلال إحداث ما يشبه الزلازل التى تضرب شواطئ ومحيط تلك الدول، فتدمرها دون خسائر بشرية فى صفوفهم، وما حدث درس إلهى لا ينبغى لساسة أمريكا أن يغفلوه أو يتغافلوا عنه، وأن يعلموا عمليا أن قوتهم المادية -مها بلغت- لا يمكن أن تضارع قوة السماء، وإن فاقت قوتهم المادية قوة غيرهم من البشر، وأن الله سبحانه قادر على أن يأتيهم من حيث لم يحتسبوا. ومنهم من قال: إنه الكأس الذى أذاقوه لغيرهم، والذى شرب منه كثير من الناس فى العالم، كأس الخوف والفزع والهلع والتشريد والتدمير، ألا فليذوقوا منه لعلهم يرجعون، فإذا عجزت قوى الأرض عن إيذائهم فإن قوى السماء تغار للمستضعفين فى الأرض، وهى كفيلة بإعادة الأمور لنصابها. وسأل بعضهم: إن من بين الأمريكيين مسلمين يسبحون الله ويحمدونه، وقد يهلكون فى هذه الأعاصير؟ وكان الجواب: إن هؤلاء يبعثون على نياتهم، والله سبحانه أعلم بهم، وهو أحكم الحاكمين، فحين أرسل عليهم هذا الطوفان فى هذا التوقيت فهو أعلم، وعدله سبحانه وحكمته ينفيان عن هذا البلاء صفة العبث، وإيماننا بعلمه سبحانه يمضى بنا يقينا أن ما كان لم يكن أمرا لا يريده سبحانه، بل كان أمرا مقضيا، وكان أمرا مفعولا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]. وقد يكون الأمر فى تحليل ما حدث كل ذلك وأبعد من ذلك، ولكل قول حقيقة ووجاهة، وإن كنا –نحن المسلمين– لا نشمت بأحد من الشعب الأمريكى بعمومه، بل نتمنى أن يرفع الله سبحانه البلاء عنهم، علهم يعودون إلى ربهم، ويخرج منهم ومن أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به أحدا، وإن كان هذا -أيضا- لا يمنعنا شرعا من الدعاء على الساسة الظالمين الأمريكيين وغير الأمريكيين، ونتمنى زوال سلطانهم، الذين لا يقيمون حرمة لحق الحياة حين يعتدون على الآمنين، ويغيرون على الضعفاء، ويقفون مساندين للمعتدى ضد ضحاياه، ويسيرون جحافل الجند لإبادة شعوب آمنة ونشر الرعب فى بقاع مطمئنة. إننى كونى مسلما أميِّز جيدا بين الإدارة الأمريكية التى عاثت فى الأرض فسادا والشعب الأمريكى الذى لم يشارك فى هذا الفساد، بل ربما كان معارضا له، وما كانت ألوية الجهاد لترتفع وما كانت كتائب التوحيد لتنطلق زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من أجل مثل هذه الشعوب المقهورة أو المغلوبة على أمرها أو الجاهلة بالإسلام، فتزيح الحكام الجبارين الذين يحولون بين الناس ورب الناس، حتى يقفوا على دعوة الخير ونور الحق، ثم يختارون لأنفسهم طائعين غير مكرهين: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، ومتى أمكننا الوصول لهذه الغاية دون قتال فلا مكان للقتال. إننى أفرق جيدا بين الظالم وغير الظالم، بين المحارب وغير المحارب، وإن كانوا فى الكفر سواء. ذلك هو معيار العدالة الإلهية، وأساس العلاقة بين المسلم وغير المسلم، ومنطق القرآن فى المعاملة مع المعتدى والمسالم: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿8﴾ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿9﴾} [الممتحنة]. هذا ما يقرأه الناس فى إعصار ساندى، والذى أوافق عليه جملة، ولكنى أقرأ شيئا آخر مضافا إلى ذلك. إن التصعيد ضد غزة والتهديد باجتياحها، ومأخذ ذلك على محمل الجد من قبل قيادات غزة، وضرب مصنع اليرموك فى السودان، وخرق الأجواء اللبنانية بخمس طائرات لا يمكن أن يتم ذلك إلا بضوء أخضر من النظام الأمريكى، وما أقرأه فى المشهد السياسى أن هذه كانت مقدمات لها ما بعدها، وأن المنطقة كانت ستشهد حدثا كبيرا يتناسب مع الصلف الصهيونى الذى كان يتحين الفرصة لتحقيقه، ربما كان هذا الحدث اجتياح غزة وجنوب لبنان ليثأر الصهاينة لهزيمتهم فيهما، وربما كان ضرب المنشآت النووية الإيرانية، بل ربما اجتياح مساحات أكبر من أرض سوريا، مستغلين الأوضاع فى المنطقة، وانشغال دول الربيع العربى بقضاياها الداخلية، وحالة الفراغ القيادى الأمريكى المصطنعة عمدا بحجة الانتخابات، حتى لا يتحمل أحد المتنافسين نتيجة ما حدث، فكان الإعصار المدمر ساندى عائقا دون تحقيق أهدافهم الشيطانية لتتراجع أمامه قوى الشر الصهيونية –ولو لحين– ريثما تتهيأ لها فرصة أخرى؛ لأن الساسة الأمريكيين شغلوا من الداخل بالكارثة الكبرى كما أسماها أوباما، فليسوا فى حال تسمح لهم أن يدعموا إسرائيل خارجيا، والحال هكذا داخليا، فحال الله بينهم وبين ما يشتهون، وكفى الله المؤمنين أذاهم، وكما قال أسلافنا: لله جنود من عسل. فنحن نقول: لله جنود من الأعاصير: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَر}. مدير مكتب الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بالقاهرة [email protected]