حلت أول أمس الجمعة، 2 (نوفمبر)، الذكرى الخامسة والتسعين ل"وعد بلفور" المشئوم، الذى تضمن تعهدًا من الحكومة البريطانية للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومى لليهود على أرض فلسطين. جاء ذلك عبر رسالة أصدرها وزير الخارجية البريطانى آنذاك آرثر بلفور (1848-1930) فى تاريخ الثانى من نوفمبر/تشرين الثانى 1917، موجهة للمليونير البريطانى اليهودى ليونيل والتر روتشيلد. وجسدت بريطانيا من خلال انتدابها لفلسطين 1922-1948 الانحياز الكامل لجانب الحركة الصهيونية، وسرعان ما تمكنت تلك الحركة من أن تشكل دولة داخل الدولة، ومع حلول عام 1939 لم يبق أمام هذه الدولة سوى التجسيد السياسى، بعدما استحوذت على المشاريع الكبرى، ونقلت رءوس الأموال اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، وقامت بإنشاء عصابات مسلحة، وبذلك لم يكن تصريحا بلفور تصريحا عابرًا، بقدر ما كان وعدًا حقيقيًّا من بريطانيا للحركة الصهيونية، تمكن التحالف ما بين بريطانيا والحركة الصهيونية من تجسيده ميدانيًّا. وكان نتاج هذا "الوعد" البريطانى إعلان قيام ما يسمى "دولة إسرائيل" فى الخامس عشر من أيار (مايو) عام 1948، على حساب شعب فلسطين وأرضه، حيث قامت العصابات الصهيونية بارتكاب عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من خمسمائة قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية، بهدف إبادتها ودب الذعر فى سكان المناطق المجاورة، لتسهيل تهجير سكانها لاحقا، كما قامت بطرد معظم القبائل البدوية التى كانت تعيش فى النقب. وقد فند مختصون فى القانون الدولى هذا "الوعد" البريطانى، وأكدوا بطلانه رغم مضى هذه العقود، لسبعة أسباب، أهمها أن: 1- الوعد صدر فى عام 1917، أى فى وقت لم يكن لبريطانيا فيه أى صلة قانونية بفلسطين. 2- احتلال بريطانيا لفلسطين حدث بعد صدور الوعد، ولأن قانون الاحتلال الحربى لا يجيز لدولة الاحتلال التصرف بالأراضى المحتلة، ولأن الحكومة البريطانية أعلنت فى مناسبات كثيرة أن الهدف من احتلالها هو تحرير فلسطين من السيطرة العثمانية وإقامة حكومة وطنية فيها. 3- الوعد أعطى فلسطين لمجموعة من الناس لا تملك أى صفة أو حق فى تسلمها أو استيطانها أو احتلالها. 4- الوعد ليس اتفاقية أو معاهدة بين دول أو كيانات دولية ذات سيادة، فاللورد بلفور مسئول بريطانى، ولكنه لا يملك حق التعاقد باسم دولته، واللورد روتشيلد مواطن بريطانى صهيونى، ولكنه لا يمثل الطائفة اليهودية المنتشرة فى العالم، والطائفة اليهودية لم يكن لها شخصية قانونية دولية. 5- الوعد أضر بالحقوق التاريخية والقومية المكتسبة لسكان فلسطين، فهؤلاء السكان موجودون فى فلسطين منذ آلاف السنين، وقد اعترفت لهم الدول الحليفة والمنتصرة فى الحرب العالمية الأولى بحق تقرير المصير وحق اختيار النظام السياسى والاجتماعى الذى يلائمهم. 6- الوعد يتناقض مع بعض المواد الواردة فى ميثاق عصبة الأمم أو صك الانتداب، فهو مثلا يتناقض مع المادة العشرين من الميثاق، وكان على بريطانيا أن تلتزم بهذا النص وتلغى التزامها بوعد بلفور، ولكنها لم تفعل، بل عمدت إلى تهيئة كل الظروف لدعم الحركة الصهيونية وإنشاء الكيان الإسرائيلى. 7- الوعد يتناقض كذلك مع المادة الخامسة من صك الانتداب التى تلزم الدولة المنتدبة بحماية فلسطين من فقدان أى جزء من أراضيها أو من تأجيرها، ولكن بريطانيا، بحصر اهتمامها بيهود فلسطين وتشجيع الهجرة وتدريب العناصر الصهيونية، أخلت بالمادة المذكورة وساعدت فئة من الغرباء أو الدخلاء على الاستيلاء على قسم من فلسطين وتشريد سكانها الأصليين. ويؤكد القانونيون أنه مما تقدم؛ فإن عصبة الأمم خرقت ميثاقها عندما سمحت بإدخال وعد بلفور فى صك الانتداب، وعندما تغاضت عن التصرفات البريطانية التى أخلت بالمبادئ الدولية وأساءت إلى رسالة الانتداب "الحضارية المقدسة"، فشجعت بذلك المنظمة العالمية التى خلفتها على اتخاذ قرار جائر بالتقسيم.