التآلف والود والتواصل والرفق، قيم غالية غابت عن كثير من بيوتنا، مما جعل أفرادها يعيش كل منهم فى وادٍ لا يعرف شيئًا عن الآخر، ولذا فنحن فى أمسّ الحاجة إليها الآن حتى يعود للأسرة قوتها ودورها الأساسى فى بناء المجتمع الصالح، وتأتى نفحات عيد الأضحى المبارك لتهدى البيوت أطهر النفحات، وتغشاها الرحمة وتحل بها البركات، وتستبدل الأفراح بأحزانها لتعيد إلى ساكنيها الدفء والفرحة ولتجعل شعار الأسرة فى هذه الأيام: فى العيد سعيد.. النكد ممنوع. رسائل الحج الربانية نفحات الحج المباركة تحمل العديد من القيم والرسائل الربانية التى تتمثل فى قصة أسرة ربانية تتكون من أب هو نبى صالح سيدنا إبراهيم عليه السلام والأم هى السيدة هاجر وابنهما سيدنا إسماعيل عليه السلام، والتى تحيى بيوتنا من جديد لتنشر بين ربوعها الفرحة والسعادة والاستقرار كما يوضح د. نبيل السمالوطى-أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر- حيث يبين أن تآلف وتماسك الأسرة الصغيرة يعد عنوان وحدة المجتمع كله وقوته، ومن ثم فإن عودة تلك القيم المهمة التى افتقدها كثير من بيوتنا ما هى إلا بداية جديدة لنهضة المجتمع وتقدمه. ويضيف أن الأسرة تتعلم من نفحات الحج النظام والدقة وإعادة ترتيب الصف والوحدة من جديد والاجتهاد فى العمل لتحمل مسئوليات بناء بيت مستقر ومتماسك ومنتج لأبناء صالحين، فالحج هو الفريضة الوحيدة التى تتسم بأن لها مواقيت زمانية ومكانية فى آن واحد تعلم المسلمين النظام ووحدة الصفوف وتقوى الله عز وجل والأخذ بالأسباب واليقين فى فضل الله عز وجل ورحمته وتجديد النية دائما لعودة التماسك والترابط بين أفراد الأسرة حتى ينعكس أثرها الطيب على المجتمع. ارجما الشيطان ويبين السمالوطى أن الحج يهب الأسرة نفحات طاهرة للتخلص من وساوس شياطين الإنس والجن التى لا يهدأ لها بال حتى تصدع أركانها وتقضى على وحدتها وتدمر تماسكها.. فإبليس اللعين يقرب إليه من يفرق بين الزوجين ليكون هو المفضل عنده لعظم ما فعل!! ولذا فعلى الزوجين أن يرجما الشيطان ويطرداه بخبثه وفواحشه من بيتهما العامر بذكر الله عز وجل وبالتخلص من الأنانية والحقد والحسد والغل والغضب حتى يكسروا شوكته ولا يتمكن من تدمير حياتهما السعيدة. ويشير إلى أن الحج يعلمنا أن نكون قدوة صالحة لأبنائنا بأن نحسن الاختيار من البداية وإن كان الدين لا يهمل الجمال والحسب والمال إلا أنه أعلى من قيمة الدين والخلق ليجعلهما فى المقام الأول عند اختيار كلا الزوجين للآخر، الذى هو النواة الأولى لإقامة البيت المسلم الصالح. ويؤكد أن الحج يعلمنا أن نؤدى الأمانات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومن أهمها تربية الأبناء على الأخلاق والقيم والمثل العليا وأن نحصنهم بحصن التدين والالتزام والخلق القويم والعلم النافع حتى يكونوا سواعد فتية لبناء وطنهم وقوته وليسوا معاول هدم تدمر بنيانه من الأساس، ولذا تعد من أكبر الخسائر بل الآثام إهمال تربية الأبناء كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعول». ويهدينا رسائل ربانية من حياة أبى الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، فيبين كيف تمثلت فى قصته هو وزوجه السيدة هاجر وابنهما الذبيح سيدنا إسماعيل عليه السلام أبلغ معانى الطاعة لرب العالمين والتضحية والصبر والبر، والتى كان جزاؤها أفضل الجزاء من رب السماء. فكان اتباع سيدنا إبراهيم عليه السلام لأمر الله عز وجل رسالة لكل زوج أن يتقى الله فى أهل بيته ويطيع الله فيهم، وكذلك كانت طاعة الزوجة لزوجها فى غير معصية وبر الابن الذى أطاع والده فيما أمر وحثه على تنفيذ أوامر الله عز وجل، فكانت الأسرة كلها مستسلمة لما أمر به الخالق جل وعلا، فكان الجزاء من جنس العمل لينجو الذبيح ويفدى بذبح عظيم وتكون خطوات أمه الطيبة هى شعائر الحج التى يقوم بها الحجاج كل عام حتى يومنا هذا. الأسرة السعيدة ولكى تستقر البيوت على الزوج أن يدرك أن القوامة ليست فرض الرأى والشدة والغلظة، ويضيف السمالوطى: بل أن يحسن إلى زوجته ويكون لها خير معين ومصدر الأمن والأمان والرعاية لها ولأبنائها ويدرك قيمتها فهى الزوجة والأم ومربية الأجيال، ويدرك أنها ليست للمتعة وإنجاب الأولاد وإنهاء أعمال المنزل فقط، فيلبى حاجتها على قدر طاعته، ويضع أسسا قوية لبيته من المعاملة باحترام وود ورفق ورحمة، وعلى الزوجة أن تطيع زوجها فى غير معصية وفيما يعد من مصلحة الأسرة ولا تشعره أنها ندٌّ له تنازعه على قوامته بل تكون هى واحة السكينة والطمأنينة والسكن الذى يجد راحته وسعادته فيه، وعلى الأبناء أن يبروا آباءهم الأتقياء فيعاملوهم بالحب والرفق والإحسان والمصاحبة الطيبة كما أمر الله تعالى. والأسرة الطيبة يكون حالها بين أمرين؛ إما الصبر على ابتلاءات الدنيا، أو الشكر على العطايا والمنح الربانية، وهذا هو سر سعادة الأسرة واستقرارها، وكذلك أن يحرص كل فرد من أفرادها على إدخال السرور على أهل البيت ليعم الحب والدفء ويذوب الجليد الذى جعل الحياة فى البيوت جامدة وباردة، فلتكُن أيام العيد فرصة للتواصل والتآلف والتقارب بين أفراد الأسرة جميعا من جديد.