نُشر مؤخرًا الخبر التالى: أخطر النائب العام نيابة وسط القاهرة، للتحقيق مع الداعية الدكتور صفوت حجازى، وكل من الدكتور عصام العريان، ومحمد البلتاجى القياديين بجماعة الإخوان المسلمين، بتهم التحريض على الاعتداء على المتظاهرين فى مليونية "جمعة الحساب". انتهى. وحسب تهديدات التيار الشعبى بملاحقة الإخوان المسلمين بهذه التهمة.. فقد آلمنى ما سمعت وقرأت فى هذا الموضوع: البلتاجى والإخوان ينتقلون من قلب الثورة إلى دائرة الاتهام.. وهو ما جعل الذكريات تتوارد والأحداث والمواقف تتداعى. فالبلتاجى وحجازى وياسين القادة الأكثر فعالية وعطاء للثورة؛ وقادوا الميدان مع شركاء الثورة من الإسلاميين وغيرهم، وكان لهم دور فى إشعال حماسة الثوار وثباتهم وتوحيد الصفوف، وكانوا للحق أصواتا شجاعة تهتف بهتافهم الجماهير، وكانوا قلوبا جسورة لا تخاف تهديدا.. وكانوا سيدفعون أرواحهم لو فشلت الثورة، أقاموا فى ميدان التحرير إقامة شبه كاملة، فى وقت كان هناك سياسيون يتابعون الثورة من التلفاز وتويتر ويطالعونها كل عدة أيام لالتقاط الصور؛ حتى إذا سقط الطاغية تربعوا أمام المشاهدين يتحدثون عن الثورة والشهداء والمخلوع والبائد. ثم يأتى نفر من شباب لم تنضج رؤاهم يرددون ما أطلقه إعلام مبارك وصدقوه؛ لأنه وافق هوى الزعامة عندهم، فقالوا: (الإخوان ركبوا الثورة). ولما أثبتت الحوادث العظيمة أن الإخوان حموا الثورة -بشهادة الجميع- ومثّلوا القدرة الهائلة على الحشد للثورة فى جميع محافظات مصر بما جعلها ثورة عارمة أجبرت النظام على الرضوخ والتنحى، فلم يجدوا للقول الأول مسوغًا، عند ذلك قالوا: (إن الإخوان باعوا الثورة). وقد كان الإخوان دائما -بخلاف ما اتهموا به- هم الشوكة الوحيدة فى حلق المجلس العسكرى بعد تنحى مبارك، والقوة الوحيدة التى يحسب لها حسابا، وما زالوا الفصيل صاحب القدر الأعظم -ولكل فصيل دوره وعطاؤه- فى تحقيق ما أنجز من أهداف الثورة. أما من التحقوا بالثورة متأخرين، فقد خرجوا منها مبكرين، وإن ظلوا فى خداعهم للناس وتحدثوا باسمها، منهم معارضون سابقون وأحزاب وناصريون وليبراليون وأقباط ورجال أعمال مشبوهون، بعضهم تغدى على فتات موائد النظام السابق، وبعضهم امتدت الشراكة والمصالح بينه وبينهم إلى آماد بعيدة، أولئك فى الحقيقة (كائنات فضائية) تليفزيونية ورجال مصلحة أكثر منها شخصيات سياسية وثورية وتكشف المواقف أنهم يتاجرون بدماء الشهداء. إننى أنحنى للإخوان الذين يعملون ويضحون فى صمت وتحت القصف السياسى والإعلامى المشترك بين فلول النظام السابق وفلول الثورة الجدد. وليس من عجب أن نرى اليوم فلول الأمس وفلول اليوم يلتقون برفع قضايا تحريض على قتل المتظاهرين ضد البلتاجى وحجازى والعريان، فيحولهم النائب العام دون إبطاء للتحقيق فى الوقت الذى ينام على قضايا الفساد وقتل المتظاهرين والمعتقلين منذ توليه على يد مبارك وحتى اليوم. سقطت الأقنعة وانكشفت الوجوه وخرجت من الثورة وجوه كالحة تسللت إليها فى ظل رغبة من الثوار الحقيقيين أن يظهر بعض هؤلاء فى المشهد.. وهم إلى النظام السابق أقرب وللمصالح معه ينتمون، ثم كان منهم الوزراء واستخدمهم العسكرى فى ضرب الإخوان وتفريق قوى الثورة والإساءة والطعن فى مجلس الشعب والدستورية.. وخرق بهم التوافق الثورى الوطنى وهم من هتفوا ضد النظام السابق، فلما ترشح أحد رموزه (شفيق) أيدوه، وهم من هتفوا يسقط يسقط حكم العسكر ثم رفضوا إعطاء الشرعية للرئيس المدنى وساندوا العسكر، وهم من هتفوا باسم دماء الشهداء وإقالة النائب العام فلما أبعده الرئيس مرسى ساندوه وأعادوه. أولئك سيذكرهم التاريخ بأخس الأوصاف. أما البلتاجى وإخوانه فسيظلون أعلاما من أعلام الثورة، وسيظل الإخوان بصمودهم الطويل وكفاحهم طوال ثلاثة عقود ضد نظام مبارك سيظلون هم رحم الثورة الذى أنتج وشارك وحفز ودعم قوى التغيير فى المجتمع، وأنشأ جيلا لا يعرف الخوف.. جيلا مدربا على العمل السياسى.. وأسهم بشكل أساسى فى عزل نظام مبارك عن الشعب بفضح تزويره وفساده.. بما مهد لثورة 25 يناير، فتحية إلى البلتاجى والإخوان، وتحية إلى ثوار شرفاء أنقياء لا ينتمون إلى الإخوان ولا يؤيدون مواقفهم، لكنهم لم يتورطوا فى موقف يدين المروءة والرجولة، فربما ظن بعضهم أن الإخوان فى يوم ما فى صف العسكر وهاجمهم، فإذا تبين غير ذلك أنصفهم، أولئك ما زالوا يقيمون على الثورة وأهدافها.. تحية لهم شركاء الطريق.